http://www.alwatan.sy/view.aspx?id=218



«عرف حلب وطبيعتها، وعرف الرقة وأنهارها، كما عرف دمشق، وكانت الطبيعة الشامية أكبر حافز لقريحته الشعرية» كذلك يقدم الأستاذ الدكتور إحسان عباس لديوان الصنوبري، وفي حكم نقدي جازم حول موضوعات الصنوبري الشعرية.
والصنوبري من كبار شعراء الشام الذين طار ذكرهم، واستحسن شعرهم، ومن القلة الذين وصل شعرهم إلينا على الرغم من كثرة الشعراء في بلاط سيف الدولة، فقد أخمل المتنبي شعراء كثيرين، ولم يبرز إلا شعر قلة، ومن هؤلاء كان الصنوبري، وهذا إن دلّ على أمر فإن أول ما يدل عليه شاعرية الصنوبري الذي استطاع أن يقف أمام كوكبة الأدباء والشعراء، وأن يحتفظ بخصوصيته، مع الإشارة إلى أنه لم يطل البقاء في بلاط سيف الدولة كما يذكر المؤرخون ويؤكد محقق الديوان الدكتور عباس «اتصل بسيف الدولة قبل أن يدخل سيف الدولة إلى حلب سنة 333هـ، ولم يطل عهده به إذ توفي الصنوبري سنة 334هـ ولكن لا ريب في أنه تأثر ببعض من كانوا حول سيف الدولة من علماء وشعراء ومن معاصريه الآخرين، ومن أشهرهم وأقربهم إليه كشاجم والسري الرفاء، والخالديان والأخفش الأصغر سعيد بن مسعدة..».
أما عن شعره وتنقلاته، فالمحقق يذكر حقائق عديدة رآها في المصادر عن شعره وخصائصه وطبيعة حياته «يمكننا جمع بعض الحقائق عن حياة الصنوبري وعلاقاته ببعض رجال عصره، وبعض المعلومات عن تنقلاته وعن أسرته، ولكن عدم وصول الديوان كاملاً لا يمكننا من بناء هذه المعلومات على نحو من كتابة سيرة هذا الشاعر؟ فنحن نعرف مثلاً أن الصنوبري كانت له ابنة توفيت صغيرة فأكثر من رثائها، وبنى على قبرها قبة مسدسة الشكل وكتب في كل جانب منها شعراً يرثيها فيه، ونعرف أنه كان له ولد، فدخل عليه وهو يبكي، فكتب على مهده أبياتاً، ونحن نعرف أنه مدح ولاة حلب».

يقول عنه الدكتور عباس محقق ديوانه:
«هو أحمد بن محمد بن الحسن بن مرار الضبي أبو بكر، نشأ في حلب وقضى أكثر حياته فيها وفي ضواحيها، دخل دمشق ووصف متنزهاتها.
لم تورد المصادر شيئاً من أخباره، ولكن شعره يمكننا من معرفة شيء عن حياته وعلاقاته بمعاصريه، فقد كان صديقاً لكشاجم وبينهما مهاداة ومطارحات شعرية، وتدل مراثيه في الحسين على أنه كان يتشيّع، غير أن أكثر شعره يتصل بوصف الرياض والأنوار والتغني بجمال الطبيعة، والعكوف على اللذات، وله أهاج مقذعة فاحشة، إلا أن وصف الطبيعة هو الجانب الذي يلفت إليه الأنطار ويميزه بين شعراء عصره، كانت وفاته سنة 334هـ».
اعتنى بديوانه وجمعه عدد من العلماء والمحققين أكثرهم متابعة وإخلاصاً الدكتور إحسان عباس الذي أصدر ديوانه مرات حتى استوى في طبعته الأخيرة مستدركاً كل الملاحظات، شاكراً كل من قدم ملاحظة أو استدراكاً وممن عمل في شعره: راغب الطباخ 1970.
- لطفي الصقال ودرية الخطيب ولم يتمّا عملهما إكراماً لعمل د. عباس.
- استدراكات ضياء الدين الحيدري في مجلة المورد العراقية.
- استدراكات نوري حمودي القيسي وهلال جاجي في مجلة المورد العراقية.
وممن درس شعر الصنوبري وحياته:
- الدكتور عبد الرحمن عطية: الصنوبري شاعر الطبيعة.
- الدكتور فواز طوقان.
- أستاذنا الدكتور الراحل محمود حلاوي أبو بكر الصنوبري حياته وآثاره.
من شعره الغزلي:
يا جباناً على الصدود تجرّا
ساءني طرفك السقيم وسرّا
حَسَن أن أكون أزداد ذلاً
كل يوم وأنت تزداد كبرا
ما أمرّ الهوى إذا كان حلواً
عند مثلي فكيف إن كان مرّا
أكحل طرفه وما مسّ كحلا
عطر جيبه وما مسّ عطرا
فهو يخفي تحت الغلائل غصناً
وهو يبدي فوق الغلائل بردا
فاتك الزي قد لوى فردكم
فإذا مرّ مرَّ يخطر خطرا
طاف هذا الجمال في الخلق حتى
حين صار الجمال فيه استقرا

وله:
لا ومكان الصليب في النحر منـ
ـك ومجرى الزنار في الخصر
والعسليِّ الذي ارتديت به
كما تردّى القضيب بالزهر
والحلق المستدير من سبج
على الجبين المصوغ من درّ
وحاجب خط شطره قلم الـ
ـحسن تجبر البهاء لا الحبر
وسكر أجفانك التي حلف الـ
ـفتور ألا تفيق من سكر
والخال في الخد الذي أشبهه
زهرة مسك على ثرى تبر
وأقحوان بفيك منتظم
على شبيه الغدير من خمر
ما صبّر الشوق لي فأصبر يا
من حسنه فيه قلة الصبر

وقال في رثاء ابنته:
إن كنت لا تقدمين من سفرك
فإنني راحل على أثرك
يا ليتني كنت شاخصاً بصري
وما رأيت الشخوص في بصرك

وله من رثائها:
أبت رؤيا السرور عيون قوم
رأوا ليلى تسير على سرير
سأبكي ما بكى القمري بنتي
ببحر من دموعي بل بحور
ألست أحق أن أبكي عليها
إذا بكت الطيور على الطيور

ومن أبلغ رثائه لها:
وأصبح مذ أصبحت ليلى جنازة
أبوك مراق الدمع إثر الجنائز
يرى الأنس إلا بالمقابر وحشة
ويعتدّ أن الفوز سكنى المفاوز
مضيت بأثواب الصبا وتركتني
تهزهزني للشيب أيدي الهزاهز
وكان سروري أن أكون مقدماً
وتبقي إلى أن تحسبي في العجائز
كذا كان قدحي فائزاً حين كنت لي
فأصبح قدحي خائباً غير فائز

قال في وصف الرياض:
أما الرياض فعشقها عشق
لم يبق فيّ لغيرها طرق
نسخ الرياض أتتك تقرأ من
بعد كأن سطورها مشق
نشرت على تلك الربا حلل
مما يحوك الرعد والبرق
ظل البهار تضيء أوجهه
فيضيء منها الغرب والشرق
زهر الرياض إذا هي ابتسمت
تدعو فيسرع نحوها الخلق
فتظل تنطق وهي ساكتة
إن الرياض سكوتها نطق

ومن شعره في الشوق:
زدني اشتياقاً فإني زائد ولعا
يا من يقطع قلبي في الهوى قطعا
انّ ابن سلمون في إشراف همته
لو شاء يجمع فيما بيننا جمعا
يا شبل يا منتهى سؤلي وغايته
هجعت عن مستهام عنك ما هجعا

ومن بديع وصفه وحبه:
شرقت مدامعه بفيض دموعه
إذ ضاق ذرعاً في الهوى بخضوعه
ما زال يذرف دمعه في خدّه
حتى تخدّد خدّه بنجيعه
ألف السهاد فما يلائم مضجعاً
مذ حيل بين جفونه وهجوعه
لله ما صنع الهوى بمتيم
زفراته تستنّ بين ضلوعه
لا تسمعي قول الوشاة فإنه
لم تصغ لي أذن إلى مسموعه
فلقد أطعت الهجر فيّ تعمداً
علماً بأني فيك غير مطيعه
فحمدت يوم البين سر فعاله
وذممت يوم الوصل حسني صنيعه
تدمي النصيف على أغر كأنه
بدر السماء أنار عند طلوعه
وترى لها في الخدّ ورداً كلما
أبدته ملّ الدهر ورد ربيعه
الصنوبري واحد من شعراء بلاط سيف الدولة، ولكنه كان من القلة التي استطاعت أن تبرز شعرياً في ظل وجود المتنبي، لما له من مكانة شعرية عالية المستوى، استطاعت أن تجاري وأن تتفوق، وأن تكون من القرائح النادرة التي وصلت إلينا، فقد كان وصافاً عظيماً ومحباً للإنسان والطبيعة، وقد وفى لأحاسيسه فصورها دون أدنى حرج..

ولنختم بقوله في الفراق:

أنا بالشام والهوى بالعراق
موثق من صبابتي في وثاق
ذو اشتياق ألتذ برد دموعي
لو وفى بردها بحر اشتياقي
سوف أدعو على الفراق وأدعو
للتلاقي سقياً لعهد التلاقي
إن من قدّر الفراق قدير
أن يذيق الفراق طعم الفراق