النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: من طرائف النقد

  1. #1
    زائر

    من طرائف النقد

    من طرائف النقد

    عرّف بعضهم النقد بأنه : " فن تفسير الاعمال الادبية , وهو محاولة منضبطة يشترك فيها ذوق الناقد وفكره للكشف عن مواطن الجمال أو القبح في الاعمال الأدبية ."
    وفي اللغة ناقدت فلاناً أي ناقشته في الأمر ، وقد نَقَدَ الرجُلُ الشيْءَ بنَظَرِه ينْقُده نَقْداً، ونَقَد إِليه: اخْتَلَس النَظَرَ نَحْوَه، وما زال فُلانٌ يَنْقُد بصَرَه إِلى الشيْءِ، إِذا لم يَزَلْ يَنْظُر إِليه.

    والنقد بهذا المفهوم هو وسيلة ارتقاء بالأعمال الأدبية لجعلها تصل إلى قمة الجمال والإتقان, والناقد لا يصدر في حكمه عن هوى أو غاية إنما يكون هدفه الأساس هو الوصول إلى الجمال.
    صحيح أن الناس لا تتفق على رأي واحد , وأن مسألة الجمال والقبح هي مسألة نسبية, ولكن عرض وجهات النظر المختلفة هو أمر صحي وصائب , وقد ينبّه إلى مواطن خلل لم ينتبه إليها كاتب النص الأدبي.

    وقد عني أدباؤنا وشعراؤنا منذ القديم بالنقد , وكانوا ينطلقون في نقدهم لما يعرض عليهم من أشعار من منطلق مواءمة النص للذوق والعقل والمنطق والجمال .

    وسأذكر لكم قصة طريفة عن نقد الشعراء لبعضهم , فقد جاء في الأغاني أن عمر بن أبي ربيعة والأحوص ونصيب وكثير وراوية عمر سائب اجتمعوا في خيمة فأفاضوا في ذكر الشعر فقال كثير لعمر : أنت تنعت المرأة فتنسب بها ثم تدعها وتنسب بنفسك. أخبرني يا هذا عن قولك:
    قالت تصدى له ليعرفنا .......... ثم اغمزيه يا أخت في خفر
    قالت لها وقد غمزته فأبى ............ ثم اسبطرت تشتد في أثري
    وقولها والدموع تسبقها ............ لنفسدن الطواف في عمر
    أتراك لو وصفت بهذا هرة أهلك ألم تكن قد قبحت وأسأت وقلت الهجر. إنما توصف الحرة بالحياء والإباء والالتواء والبخل والامتناع، كما يقال هذا وأشار إلى الأحوص:
    أدور ولولا أن أرى أم جعفرٍ ............. بأبياتكم ما درت حيث أدور
    وما كنت زواراً ولكن ذا الهوى ............ إذا لم يزر لا بد أن سيزور
    لقد منعت معروفها أم جعفرٍ ........... وإني إلى معروفها لفقير
    قال: فدخلت الأحوص أبهة وعرفت الخيلاء فيه. فلما استبان كثير ذلك فيه قال: أبطل آخرك أولك. أخبرني عن قولك:
    فإن تصلي أصلك وإن تبيني ............. بصرمك بعد وصلك لا أبالي
    ولا ألفى كمن إن سيم صرماً ................. تعرض كي يرد إلى الوصال
    أما والله لو كنت فحلاً لباليت ولو كسرت أنفك. ألا قلت كما قال هذا الأسود وأشار إلى نصيب:
    بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب .............. وقل إن تملّينا فما ملّك القلب
    قال: فانكسر الأحوص، ودخلت النصيب أبهة. فلما نظر أن الكبرياء قد دخلته، قال له يا ابن السوداء، فأخبرني عن قولك:
    أهيم بدعدٍ ما حييت فإن أمت........... فواكبدي من ذا يهيم بها بعدي
    أهمك من ينكحها بعدك! فقال نصيب: استوت القوق ، قال: وهي لعبة مثل المنقلة. ............. فلما أمسك كثير أقبل عليه عمر فقال له: قد أنصتنا لك فاسمع إلي أخبرني عن تخيرك لنفسك لمن تحب حيث تقول:
    ألا ليتنا يا عز كنا لذي غنًى ........... بعيرين نرعى في الخلاء ونعزب
    كلانا به عر فمن يرنا يقل .......... على حسنها جرباء تعدي وأجرب
    إذا ما وردنا منهلاً صاح أهله .............. علينا فما ننفك نرمى ونضرب
    وددت وبيت الله أنك بكرة .......... خجان وأني مصعب ثم نهرب
    نكون بعيري ذي غنًى فيضيعنا ........... فلا هو يرعانا ولا نحن نطلب
    وقال: تمنيت لها ولنفسك الرق والطرد والمسخ، فأي مكروهٍ لم تمن لها ولنفسك! لقد أصابها منك قول القائل: معاداة عاقلٍ خير من مودة أحمق. قال؛ فجعل يختلج جسده كله.
    ثم أقبل عليه الأحوص فقال: إلي أخبرك بخبرك وتعرضك للشر وعجزك عنه وإهدافك لمن رماك. أخبرني عن قولك:
    وقلن وقد يكذبن فيك تعيف .......... وشؤم إذا ما لم تطع صاح ناعقه
    وأعييتنا لا راضياً بكرامةٍ ........ ولا تاركاً شكوى الذي أنت صادقه
    فأدركت صفو الود منا فلمتنا .......... وليس لنا ذنب فنحن مواذقه
    وألفيتنا سلماً فصدعت بيننا ........ كما صدعت بين الأديم خوالقه
    والله لو احتفل عليك هاجيك ما زاد على ما بؤت به على نفسك. قال: فخفق كما يخفق الطائر. ثم أقبل عليه النصيب فقال: أقبل علي..! فقد تمنيت معرفة غائبٍ عندي علمه فيك حيث تقول:
    وددت وما تغني الودادة أنني........ بما في ضمير الحاجبية عالم
    فإن كان خيراً سرني وعلمته......... وإن كان شراً لم تلمني اللوائم
    انظر في مرآتك واطلع في جيبك واعرف صورة وجهك، تعرف ما عندها لك . فاضطرب اضطراب العصفور، وقال القوم يضحكون. وجلست عنده [ القائل سائب راوية عمر ] ؛ فلما هدأ شأوه قال لي: أرضيتك فيهم؟ فقلت له: أما في نفسك فنعم! فقد نحس يومك معهم، وقد بقيت أنا عليك. فما عذرك ولا عذر لك في قولك:
    سقى دمنتين لم نجد لهما أهلاً .......... بحقلٍ لكم يا عز قد رابنا حقلا
    نجاء الثريا كل آخر ليلةٍ ............ يجودهما جوداً ويتبعه وبلا
    ثم قلت في آخرها:
    وما حسبت ضمرية حدرية ............ سوى التيس ذي القرنين أن لها بعلا
    أهكذا يقول الناس ويحك! ثم تظن أن ذلك قد خفي ولم يعلم به أحد، فتسب الرجال وتعيبهم! فقال: وما أنت وهذا؟ وما علمك بمعنى ما أردت؟ فقلت:
    هذا عجب من ذاك. أتذكر امرأة تنسب بها في شعرك وتستغزر لها الغيث في أول شعرك، وتحمل عليها التيس في آخره! قال: فأطرق وذل وسكن. فعدت إلى أصحابي فأعلمتهم ما كان من خبره بعدهم. فقالوا: ما أنت بأهون حجارته التي رمي بها اليوم منا.
    قال فقلت لهم: إنه لم يترني فأطلبه بذحلٍ، ولكني نصحته لئلا يخل هذا الإخلال الشديد، ويركب هذه العروض التي ركب في الطعن على الأحرار والعيب لهم" اهـ بتصرف

  2. #2
    زائر
    ومن الأمثلة التي يضربها الفقير لله على النقد الجائر أن أبا حية النمري أنشد رجلاً شعره.
    وأبو حية هو صاحب البيت الرائع:
    إذا ما تقاضى المرء يوم وليلة..تقاضاه شيء لا يمل التقاضيا!
    فقال له الرجل: أهذا شعر؟
    فقال له أبو حية: ما في شعري من عيب إلا أنك تسمعه!

  3. #3
    زائر
    قال ابن قتيبة في كتابه "طبقات الشعراء" :

    كــــثــيِّــر عـــزَّة

    "كان كثـيِّـرأحد عشاق العرب المشهورين بذلك، وصاحبته عَـزَّة وإليها ينسب وهي من ضـمْـرة .

    ولقيته إمرأة في بعض الطريق فقالت له: أأنت كثير ؟ قال : نعم ، قالت : والله لقد

    رأيتك فما أخَـذتك عيني. قال : وأنا والله رأيتك فأقـْــذيت عيني.

    قالت : والله لقد سفـَّـل الله لك إذ جعلك لا تعرف إلا بإمرأة.

    قال : والله ما ســفـَّـل الله بي ولكن رفع بها ذِكري وأستـنار بها أمري وأستحكم بها

    شعري وهي كما قلت :

    وإني لأسمو بالوصال إلى التي ............يكون شـــفاء ذكــرها وأزديارها

    إذا أخفيت كانت لعينك قــــرة ............وإن بحت يوما لم يَـعـمَّـك عارها


    فقالت : مــرّ في قصيدتك ، فــمــرّ فيها فلما بلغ :

    وما روضة ٌ بالحزن طيبة الثرى ............يمجُّ الـنـَّـدى جثجاثـها وعـَــرارها

    بأطيب من أرْدان عزة مـــوهنا ...............إذا أوقدت بالمجمر اللدن نارهــــا


    قالت : كان امرؤ القيس أحسن نعتا ً لصاحبته حيث يقول :

    ألـم تَـرياني كلــما جئت طارقــا............... وجدت بها طيبا وإن لم تـطــيب

  4. #4
    زائر
    وكان كثير محمقاً.
    ولكنهم يذكرون له أجوبة حاضرة.
    قال له الفرزدق مرة: ما أشبهك بي يا كثير! أكانت أمك ترد البصرة؟.(بلد الفرزدق)
    قال: لا ولكن أبي كان يردها!
    وقال ناقد عارف به:
    لعجبت من كثير وجوابه، على حمقه: قال له رجل: إنهم يزعمون أنك المسيح الدجال ! فقال: لئن قلت هذا فإنني لا زلت أحس بضعف في عيني منذ اليوم!

    وكان كثير كيسانياً ممن يقول بأمامة محمد بن علي بن أبي طالب رحمه الله المسمى بابن الحنفية وكان يقول برجعته.
    والله أعلم.

  5. #5
    زائر
    واجتماع الحمق والموهبة الشعرية أمر يبدو أن علينا القبول به.
    بل هو يشككنا بالمسلمات البديهية عندنا عن مقولة"الذكاء" والملكات.

  6. #6
    زائر
    السلام عليكم

    نبهني الأستاذ محمد إلى خطأ في نقلي لبيت عمر بن أبي ربيعة حين كتبت :
    قالت لها وقد غمزته فأبى ............ ثم اسبطرت تشتد في أثري
    فقد زيدت الواو والصحيح :
    قالت لها قد غمزته فأبى ............ ثم اسبطرت تشتد في أثري

    فالشكر لك أستاذ محمد


    ومن نقد كثيّر أيضاً قوله : في أي شعر أعطى هؤلاء الأحوص عشرة آلاف دينار؟ قالوا: في قوله فيهم:
    وما كان لي طارفاً من تجارةٍ ........ وما كان ميراثاً من المال متلدا
    ولكن عطايا من إمامٍ مباركٍ ......... ملا الأرض معروفاً وجوداً وسوددا
    فقال كثير: إنه لضرع قبحه الله ! ألا قال كما قلت:


    دع عنك سلمى إذ فات مطلبها .............. واذكر خليليك من بني الحكم
    ما أعطياني ولا سألتهما .................. إلا وإني لحاجزي كرمي
    إني متى لا يكن نوالهما ............. عندي مما قد فعلت أحتشم
    مبدي الرضا عنهما ومنصرفٌ ............ عن بعض ما لو فعلتُ لم ألم
    لا أنزر النائل الخليل إذا ................. ما اعتل نزر الظؤور لم ترم

  7. #7
    زائر
    السلام عليكم

    ومن طرائف النقد أيضاً ما جاء في كتاب الشعر والشعراء أن عائشة بنت طلحة بعثت إلى كثير، فقالت له: يا ابن أبي جمعة ما الذي يدعوك إلى ما تقول من الشعر في عزة وليست على ما تصف من الحسن والجمال، لو شئت
    صرفت ذاك إلى غيرها ممن هو أولى به منها أنا أو مثلي، فأنا أشرف وأوصل من عزة، وإنما جربته بذلك فقال:
    إِذَا ما أَرادتْ خُلَّةٌ أَنْ تُزِيلَنَا .......... أَبَيْنَا وقُلْنَا الحاجبيَّةُ أَوَّلُ
    سنُوليك عُرْفاً إِنْ أرَدْتِ وصالَنا .......... ونَحْنُ لتلْكَ الحاجِبِيَّة أَوْصَلُ
    لها مَهَلٌ لا يُسْتَطَاعُ دِرَاكُهُ ............ وسابقَةٌ في الحُبِّ ما تَتَحَوَّلُ
    فقالت عائشة: والله لقد سميتني لك خلة وما أنا لك بخلةٍ، وعرضت على وصلك، وما أريد ذلك وإن أردت، ألا قلت كما قال جميلٌ:
    ويَقُلْنَ إِنَّكَ قد رَضيتَ بباطل ........... منها فهَلْ لك في اعْتزَال الباطل
    ولَبَاطلٌ ممَّنْ أُحِبُّ حَديثهُ ............. أَشْهَى إِلَّى منَ البَغيض الباذل
    ولَرُبَّ عارِضَةٍ علينا وَصْلَهَا ............. بالجِدِّ تَخْلِطُهُ بقَوْلِ الهازِلِ
    فأَجَبْتُهَا في الحُبِّ بعد تَسَتُّرٍ ............ حُبّى بُثَيْنَةَ عن وِصَالك شاغلي
    لو كان في قَلْبي كقدْرِ قُلاَمَةٍ ............. حُبٌّ وَصَلْتُك أَو أَتَتْك رَسَائلِى

  8. #8
    زائر
    من كتاب المصون في الأدب لأبي أحمد العسكري:
    1ـ قيل لابن المقفّع: لم لا تقول الشِّعر مع علمك به؟ فقال: أنا كالمسنّ، أشحذ ولا أقطع.

    2 ـ كان النابغة الذبيانيّ تضرب له قبة من أدم بسوق عكاظ فتأتيه الشعراء تعرض عليه أشعارها، فأتاه الأعشى فأنشده أول من أنشد، ثم أنشده حسّان:
    وأسيافُنا يقطرن من نجدة دَما........ لنا الجَفَناتُ الغُرًّ يلمعن بالضُّحى
    فأكرمْ بنا خالاً بنـا ابـنـمـا........... ولدنا بنى العنقاءِ وابنَىْ محـرِّقٍ
    قال النابغة: أنت شاعر ولكنك أقللت جفانك وسيوفك، وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك

    3 ـ أنشد أبو بكر محمد بن يحيى أبيات ابن الرومي:


    ومهفمفٍ تمتْ محاسـنـهُ = حتى تجاوزَ منتهى النًّفسِ
    تصبو الكؤوسُ إلى مراشفِهِ = وتهشُّ في يده إلى الجسِّ
    أبصرته والكاسُ بـين فـمٍ = منه وبين أناملٍ خـمـسِ
    فكأنَّها وكـأن شـاربـهـا قمرٌ= يقبِّل عارضَ الشمس
    فقال أبو بكر: قد أحسن وملّح، إلاّ أنّه جاءَ بالمعنى في بيتين، واقتضى للبيت الأوّل ديناً على البيت الثاني.

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
الاتصال بنا
يمكن الاتصال بنا عن طريق الوسائل المكتوبة بالاسفل
Email : email
SMS : 0000000
جميع ما ينشر فى المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأى القائمين عليه وانما يعبر عن وجهة نظر كاتبه فقط