المشتقة الثانية :
تقول هذه المشتقة :
إذا انتهى صدر بيت في واقع الشعر أو في الدائرة بالتركيب 3 2 3 فإن عجزه سينتهي بأحد التركيبين 3 ] 2 [3 أو 3 ] 2 [ 2 وفي كلا التركيبين يكون السبب الأوسط ممنوعا من الزحاف وهو ما يفيد بعدم إمكانية انتهاء العجز بالتركيب 3 1 3 إلا في حال انتهاء الصدر أيضا بهذا التركيب كما هو الحال في الواقع الشعري للبسيط وخامس المديد حيث ينتهيان في الواقع الشعري بالتركيب 3 1 3 صدرا وعجزا بينما ينتهيان في دائرتهما بالتركيب 3 2 3 .
فرصد هذه الظاهرة العروضية وتتبعها في الواقع الشعري يشير إلى ميلها بالحس الإيقاعي شيئا ما عن الإيقاع النظري لدوائر الخليل . وأكاد أجزم أن أحدا من علماء العروض لم يلاحظ ويرصد هذه الظاهرة العروضية في واقع الإيقاع لشعري قبل الأستاذ خشان لما يتطلبه رصدها من استخدام الأرقام كواحدات بناء للإيقاع ، وقد تمكن الأستاذ خشان من رصدها وتتبعها في المتقارب والمديد والسريع والخفيف .
ففي مجزوء المتقارب محذوف الضرب لها تطبيقان أحدهما : 3-2-3-2-3 . . . . 3-2-3-2-3
والآخر :
3-2-3-2-3 . . . . 3 - 2 -3 - 4
وفي المديد لها تطبيقان :

أحدهما : 2-3-4-3-2-3 . . . . 2-3-4-3-2-3
والآخر :
2 -3 -4 - 3 - 2 - 3 . . . . 2 - 3 - 4 - 3- 4

وفي السريع تطبيقان :
الأول :
4- 3 - 4 - 3 -2 - 3 . . . . 4- 3 - 4 - 3 -2 - 3

والآخر :
4- 3 - 4 - 3 -2 - 3 . . . . 4- 3 - 4 - 3 -2 -2

وفي الخفيف محذوف الضرب لها تطبيق :
2 - 3- 6 - 3 -2 - 3 . . . . 2 - 3 - 6 - 3 -2 - 3
وقد زاد الأستاذ خشان فاشتق عليها أربع صور :
الأولى في الخفيف :
2-3-6-3-4. . . .2-3-6-3-2-3 .............م1
وثلاث صور في المتدارك
الأولى :
2-3-2-3-2-3-2-3. . . .2-3-2-3-2-3-2-3 ............م2
والثانية :
2-3-2-3-2-3-2-3. . . .
2-3-2-3-2-3-4
............م3
والثالثة : 2-3-2-3 . . . .
2-3-2-2
............م4

وقد اعتدنا اتباع أثر الرقمي في التكثيف الذي يتركه كبصمة على قواعد الخليل عندما يمر عليها بالمعالجة والتحليل . وهي على كل حال بصمة واضحة في هذه المشتقة التي تكثف في أطروحتها قانونين جزئيين للخليل هما القطع والصلم في قانون عام واحد . فبالقطع يفسر الخليل انتهاء المديد والمتقارب محذوف الضرب وكذلك المتدارك والخفيف محذوف الضرب ب 2 2 بدلا من 2 3 أما انتهاء إيقاع السريع ب 2 2 بدءا من مفعولات 2 2 2 1 على دائرة المشتبه فتفسيره ممكن بالصلم . ففي حين يتحول عروض السريع بالطي والكسف إلى فاعلن 2 3 فإن عجزه يعود عن ذلك ليتحول إلى 2 2 بالصلم أي بحذف الوتد المفروق كليا من مفعولات لينتهي السريع بسببين خفيفين .
وبعيدا عن التكثيف تحدد المشتقة الثانية علاقة نهاية الصدر بنهاية العجز بطريقتين : فهي تثبت اقتران نهاية الصدر 3 2 3 بإحدى صورتي نهاية العجز 3 2 3 أو 3 2 2 مع امتناع السبب الأوسط عن الزحاف عموما .
وهي تنفي اقتران نهاية الصدر 3 2 3 بصورة نهاية العجز 3 1 3 .
وبين الإثبات والنفي تكمن المفارقة في أن تبشر هذه المشتقة بنظرية التخاب بناء على تفسير انتهاء كل من الصدر والعجز بالتركيب 3 1 3 في الواقع الشعري للبسيط والمديد إذ تؤول 3 2 3 إلى 3 1 3 في نهاية كل من الصدر والعجز . فالتخاب يتطلب أن يكون السبب الأوسط قابلا للزحاف كي يفقد ساكنه ويتحول إلى متحرك 1 فيتأهل ويستعد لاستقبال متحرك جديد يهبه إياه الوتد الأخير بإجراء التخاب فيتحول بذلك إلى سبب ثقيل 3 ( 2 ) 2 .
فنلاحظ هنا أن التخاب يشترط أن يكون السبب الأوسط قابلا للزحاف في التركيب 3 2 3 وهو الأمر عينه الذي تنفيه المشتقة الثانية ولولا أنها تنفيه ما تجسدت كظاهرة عروضية .
فتتضح لنا الإشكالية التي علق بها الرقمي في جمعه بين المتناقضين اللذين يدحض أحدهما الآخر ويمنعه .
وليست سلبية التخاب في أنه يتناقض مع المشتقة الثانية فقط بل في تناقضه مع نفسه أيضا . فالتخاب يفسر انتهاء العجز ب 3 (2 ) 2 أو 3 1 3 في البسيط والمديد بحجة قابلية الوتد الأخير للتغير كونه يقع في آخر العجز بعد الوتد الأوثق ( وهو آخر وتد ثابت قطعيا في البيت ) فالوتد يستطيع التحول هنا إلى سبب خفيف كونها منطقة مشتركة يتداخل فيها الإيقاعان الخببي والبحري . في حين يعجز التخاب عن تفسير انتهاء الصدر ب 3 ( 2 ) 2 أو 3 1 3 لضرورة ثبات الوتد الأخير هنا وعدم قابليته للتغير أو التحول إلى سبب خفيف كونه يقع قبل الأوثق .

فلا بد أن نسأل إذن عن تفسير وجود 3 ( 2 ) 2 في نهاية الصدر في البسيط والمديد في ضوء ضرورة ثبات الوتد الأخير بحكم التخاب وضرورة ثبات السبب الأوسط بحكم المشتقة الثانية .
وهنا سندخل في جدلية الثبات المطلق أو الثبات الجزئي للوتد . فوتد الخليل يطاله التغيير في أول الشطر بقانون الخرم كما يطاله التغيير بقانوني القطع والتشعيث في آخر العجز في حين يحافظ على ثباته في الحشو .
بينما يتمتع وتد الرقمي بقابلية التغير فقط في آخر العجز وبعد الأوثق بسبب الهوية الخببية التي يمنحه إياها الإيقاع الخببي عندما يظهر بمظهر السبب الخفيف في موقعه في آخر التركيب 3 ( 2 ) 2 . فنستنتج أن التخاب صالح للتطبيق في دائرة المختلف دون دائرة المتفق لأن المشتقة الثانية تمنعه في المتفق .كما أن صلاحيته للتطبيق في المختلف تقتصر على آخر العجز دون آخر الصدر .وهاتان خاصتان سلبيتان للتخاب تحولان دون اعتباره قانونا عاما في العروض .. وليس هذا هو الوقت المناسب لمناقشة نظرية التخاب كوني أرغب بمناقشتها مليا حين أصل إلى دورها من البحث . غير أني تطرقت إليها من جهة علاقتها بالمشتقة الثانية فقط . .
. . يتبع