طلابنا الأعزاء، أعني كثيراً من طلابنا، لكسل فيهم أو لضيق أفق، يؤكدون أن العربية الفصحى في غاية الصعوبة لأنها لغة معربة.
وقد وجدنا بعض الباحثين المعاصرين مثل الأستاذ هادي العلوي يحل العقدة على طريقة الإسكندر أي بقطع الحبل بالسيف وإلغاء المشكلة فيقترح حل مشكلة الإعراب بإلغائه وتكريس ما يسميه "النحو الساكن".
واختفاء الإعراب من اللغة الدارجة ظاهرة قديمة تؤكد نصوصنا بما لا يدع مجالاً للشك أنها نشأت مع الفتوحات ودخول شعوب غير عربية في الإسلام وتبنيها اللغة العربية.
ومن العجيب حقاً أن من علماء اللغات السامية من أنكر هذا البديهي الذي تؤكده آلاف الوثائق العربية المكتوبة التي تؤرخ لظهور "اللحن" وتؤرخ لظاهرة ذهاب العلماء إلى الأعراب الفصحاء الذين كانوا لا يزالون يعربون للأخذ عنهم وإلى آخره فراح يؤكد أن العربية طيلة الوقت كانت تتألف من لغتين: واحدة أدبية معربة والثانية محكية غير معربة. واستندوا في مزاعمهم إلى بعض النقوش التي استخدمت فيها الكلمات مسكنة.
وقد تولى العلامة نولدكه الرد على هذه النظرية معيداً ظاهرة التسكين إلى نزوع عام في هذه العائلة اللغوية لعدم كتابة الصوائت وكتابة الكلمة على حالة الوقف لا حالتها في السياق.
المهم الآن الذي أريد مناقشة الطلاب الأعزاء فيه هو ما يعدونه "بديهياً" من صعوبة الكلام بلغة معربة:
ليت شعري ما كنتم قائلين يا شباب لو وضعناكم في مكان الألمان الذين لديهم ليس ثلاث حالات إعرابية مثلنا بل أربع؟
وما كنتم قائلين لو كنتم مكان الروس الذين لديهم ست(كانت في الأصل سبعاً!)
ومع ذلك ينطقون لغاتهم بإعرابها بدون مشاكل!
مشكلة الإعراب قد تعود بالفعل وفق ما ذكر أحد مواضيع هذه الصفحة إلى ضعف التركيز على النحو في التعليم وعدم وضع علامة تجبر الطلاب على تعلمه!
الأهم ربما سوء إعداد المدرسين وعدم إلزامهم بالكلام المعرب في الدروس ولا بأس أن يخطئوا هم أيضاً ويصححوا أنفسهم كما يخطئ طلابهم وإن كنا مع الأسف لم نتعود على مبدأ جواز خطأ المعلم وهو والله مبدأ حضاري بدأه مالك رحمه الله حين قال في ستة وثلاثين سؤالاً من أربعين: لا أعلم!
والمسألة فيما يبدو لي يمكن حلها بالتدريج عبر التفصيح المتزايد للغة المحكية وهذا ما يجري فعلاً في أوساط المتعلمين وإن تكن هناك محاولات غريبة لإبعاد الفصحى عن أماكن تنطقها مثل نشرات الأخبار حيث بدأت بعض القنوات الفضائية لا بارك الله في مساعيها بنقل الأخبار بالعامية!