كيف نحبب الصغار بلغتنا الجميلة

دخلت غرفة المكتبة، لحقني محمد الصغير " حمودة" ابن الثالثة والنصف.
انشغلت عنه بالكتابة.
قال: لقد اختبأت..
نبّهني.
رفعت رأسي أبحث عنه. قلت له: أين أنت؟ أنا لا أراك؟
قال: انا في الخزانة.
كان قد فتح باب خزانة الكتب، وشده عليه يحاول إغلاقه.
قلت له: وهل أنت كتاب؟!!
كركر ضاحكا وهو يقول:
أنا كتاب قرآن.
استفزني تعليقه، بحيث زدت من ضحكه فانكشف بوضوح.
قربت عيني في تركيزي عليه وقلت له بحدة:
انت مصحف؟!! انت .. انت مصحف!!
انت بالكاد قصة قصيرة.
16/9/07


أعرفه، سيذهب إلى أمه بعد لحظات ويقول لها وهو يضحك:
عمتو تقول بأني قصة قصيرة!!
وسيدخل مصطلح القصة القصيرة الى قاموسه الذي يبنيه الآن، والمتعطش لكل جديد.
وسأعرف دون أن يقول بأنه قد عرف أن كتاب القرآن يسمى مصحفا.
لماذا يحاول البعض أن يهبط بمستواه وهو يحدث الصغير؟
لماذا لا يرتفع به بدل ذلك؟!
أرجع هذا لسوء تقدير لمقدرات الطفل..
وأحيانا لضعف في اللغة عند الكبير تجعل هذه المصطلحات غريبة عليه، ثقيلة!
في أحد الأيام، كنا نشاهد الشيخ في الحرم المكي، يقرأ القرآن ويبكي بحرقة.
كان حسن في الثانية من عمره. هزه وأحزنه البكاء، وكاد يشاركه. قال:
عمو واوا..
فقلت له: لا.. انه لا يتوجّع.
رفع رأسه إليّ متسائلا. قلت وقد وجب علي التفسير
: إنه يبكي من الخشوع.
كنت خائفة من هذه الكلمة، فكيف سأشرحها له؟
الكلمة صعبة، ولا أعرف رديفا لها!
المفاجأة كانت، حين رددها وكان لا يجيد الكلام بعد: أُشو..
وصرنا نتندر ونسأله: لماذا كان عمو يبكي؟!
واكتشفت من هذه الحادثة أن ابتعادنا عن الكلمات القوية، ليس رفقا بقدراته الضعيفة بقدر ما هي خوف على أنفسنا من أن يضعنا في موقف حرج حين لا نستطيع التفسير.
أنت تستخدمين كلمات كبيرة على قاموسه..
وما هو قاموسه، أليس ما يسمعه منا؟
ولماذا يكون ابن الشاعر أو العاشق للشعر أقدر على فهم وحفظ الأشعار من زملائه؟

لبعض حروف العربية جرس منبه، ملفت للطفل، تجعله يرددها بمتعة اللعب، إن أنت قلتها بتلك المتعة!
أحبوا لغتكم، فحتى الحب.. عدوى.

حنين حمودة