جاء في كتاب عروض الشعر العربي لـ د. غازي مختار طليمات
تحت عنوان ربط الأغراض بالأوزان ما يلي :

من الدارسين من حاول ربط الغرض بالوزن , فرأى أن لكل بحر إيقاعاً يصلح لغرض من الأغراض. فحازم القرطاجني من المتقدمين قال : " ولمّا كانت أغراض الشعر شتى , وكان منها ما يقصد به الجد والرصانة, وما يقصد به الهزل والرشاقة, ومنها ما يقصد به البهاء والتفخيم , وما يقصد به الصغار والتحقير وجب أن تحاكي تلك المقاصد بما يناسبها من الأوزان"

وذهب سليمان البستاني في العصر الحديث هذا المذهب, لكن آراءه ظلت تحوم في أفق الإحتمال, ولم يرق بها من التخمين إلى اليقين .
وتبنى الدكتور عبد الله المجذوب المذهب نفسه , فقال : " اختلاف أوزان البحور نفسه معناه أن أغراضاً مختلفة دعت إلى ذلك , وإلا فقد أغنى بحر واحد ووزن واحد".

ولم يتقبل الدكتور شكري محمد عيّاد هذا الرأي, ورمى أصحابه بادعاء فكرة لا تستند إلى مسوغات معقولة أو أدلة مقبولة, فقال : " إن صاحب المرشد(1) لا يستند في تمييزه بين الخصائص المعنوية للأوزان العربية إلى أي أساس موضوعي"

ومهما يكن حظ هذه النظرة من الصواب , فإنها تراود فكرة , وتحاول أن تجد لها الأدلة الكافية , وتمنح النغم دلالة نفسية, وليس هذا الأمر بزهيد.
إنها تحوط التجربة النفسية بإطار فني من الموسيقا كما يستعين المشتغلون بأفلام السينما آلات العزف العنيفة واللطيفة , فيفجرون الضربات الصاخبة من الطبول والصنوج في الملاحم والمغازي, ويرسلون اللحون اللينة من الناي والكمان في معرض الشجن والخشوع". اهـ


ونحن لا يمكن أن ننفي وقوع مثل هذا الترابط بين الوزن وغرض الشاعر كما أننا لا يمكن لنا إثباته وإلا لما وجدنا قصائد استخدم فيها الشعراء أوزاناً قد لا تصلح لموضوعها كما في قصيدة أتته الخلافة لأبي العتاهية والتي استخدم فيها بحر المتقارب وهو بحر يعطي انطباعاً بعيداً عن الجديّة اللازمة لمدح الخليفة ولكنه استطاع الوصول إلى غايته حتى أن شاعراً كبيراً كبشار بن برد قال: "وقد اهتز طرباً: ويحك يا أخا سليم! أترى الخليفة لم يطر عن فرشه طرباً لما يأتي به هذا الكوفي؟"

وهناك أمر آخر خطر لبالي ترددت هل أعرضه على أساتذتي الكرام أم لا, ولكنني قلت في نفسي سأعرضه وسيتفضّل أساتذتي بالتصحيح لي إن أخطأت :

الموضوع خطر لبالي بعد قراءتي لنظم الشهاب لأوزان البحور الستة عشر فقد استخدم آيات من القرآن للدلالة على هذه الأوزان فالطويل مثلاً قال فيه :

أطال عذولي فيك كفرانه الهوى............وآمنت يا ذا الظبي فأنس ولا تنفر
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن.................." فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"

وكذلك في المديد :
يا مديد الهجر هل من كتب ...........فيه آيات الشفا للسقيم
فاعلاتن فاعلن فاعلاتن ........." تلك آيات الكتاب الحكيم"

أما ما علاقة هذا بما سبق فهو ما خطر ببالي , وهو هل نستطيع الإستدلال على علاقة الوزن بالغرض من خلال القرآن الكريم؟ , كتاب الله ليس كتاب شعر, بل هو ذكر وهدى هذا مؤكد, ولكننا لو أخذنا مثلاً قوله تعالى : " وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً) (الكهف:29)

لوجدنا أن موضوع الآية هو وصف لعذاب النار أجارنا الله منها وكان الوزن من الطويل والمتقارب وشتان بين البحرين , في الموسيقى والاستخدام , وهذا يرجح عندي الرأي القائل أن لا علاقة بين الوزن والغرض الشعري
طبعاً هذا الكلام يحتاج إلى بحث وتدقيق ولا يمكننا الجزم به في هذه العجالة.



(1) ـ يقصد به كتاب الدكتور عبد الله الطيب " المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها"