ما كتب بهذا اللون أو { بين المزدوجين } فهو إضافة مني .
عثرت على هذا الموضوع الشيق أثناء بحثي عما يدعم الدعوة إلى إعطاء تعريب مصطلحي ( Poetics ) وكنت أفكر في ( الشعرية) و (RHUTHMOS ) وكنت أفكر في (الإيقاعية) الذين وردا في الرابط الذي أترجم أجزاء منه مع رابط آخر أترجمه وسأنشر ذلك قريبا بإذن الله:
http://rhuthmos.eu/spip.php?article462


وكنت أفكر في (الإيقاعية) وكلاهما ذوا مدلول يتخطى الشعر ووزنه، وكان همي منصرفا إلى طريقة للتعبير عن نظير لهما في العربية ذو بعد في تعريفه وتبيان مهمته يبرز ما جاء في أصل تعريفه من صلاحية لتناول سائر الكلام من شعر ونثر وسواهما. واعتبار الإيقاع عاملا مهما فيه ولكن على نحو يتجاوز مجرد الدراسة المعهودة لبحور الشعر ليشمل جوانب أخرى أهمها الإفادة منها في دراسة الجوانب الجمالية الإعجازية في القرآن الكريم مع إبعاد ما قد يخطر للقارئ من شبهة تشبيه الشعر بالقرآن الكريم.، ثم عثرت على هذا الموضوع الذي يتعامل مع جوانب عدة من مظاهر الجمال والإيقاع في القرآن الكريم ممهدا له بمصطلح (( الإيقاع الكوني)) فرأيت هذا المصطلح هو الأفضل ليشمل كلا من المصطلحين ويؤكد على كل ما من شأنه أن ينظر إلى وزن الشعر كمجرد مكون جزئي من هذا المكون الأعم الأشمل.


http://www.ahlulbaitonline.com/karba...arch.php?ID=39

مِن مَلامِح الدِّلالَة الصّوتِيَّة في القُرآنِ الكَريم

Some vocal features of Quran and their semiology
الباحث: الأستاذ المساعد الدكتورماجد النجار
Name: Assistantt Prof. Dr.Majed Al-Najjar

يكتفي هذا البحث بدراسة ظاهرتين صوتيتين من ظواهر صوتية قرآنية كثيرة، هما: دلالة الحركة، ودلالة الإيقاع، مع إيراد نموذجين قرآنيين لكلٍ منهما. ثم يتناول بالتفصيل الملامح الصوتية، بأبعادها المختلفة، في جزءٍ من آيةٍ شريفةٍ، وهو قوله تعالى: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ). من خلال دراسة ما تشتمل عليه هذه الكلمات الثلاث من حروف (أصوات) وحركات وسكنات ومقاطع وإيقاع. إضافةً إلى ما يعتور التنوين فيها من غنّةٍ وإدغامٍ وإقلابٍ وإخفاءٍ. وقد قدمنا للبحث بنظرة تاريخية موجزة، تناولتْ إشارات السابقين واللاحقين إلى موضوع الأصوات ودلالاتها. ثُم تَعَرَّضنا لدلالة الحركة والإيقاع ونماذجهما، منـتقلين بعدها إلى تحليل الآية المذكورة تحليلاً بلاغياً، تَمَّ توظيفه دلالياً، للانطلاق منه إلى التحليل الصوتي. حيث تمتزج الصُّورة البيانية بالصورة الصوتية والإيقاعيّة، فتعملان سويةًً على تشكيل الصورة الفنية للجملة القرآنية.
نص البحث:
مِن مَلامِح الدِّلالَة الصّوتِيَّة
في القُرآنِ الكَريم
المدرس المساعد ماجد النجّار
ملخص البحث باللغة الانجليزية:
This research paper takes only into account two Quranic vocal features; semiological aspects of 'vowel' and 'tonality', for each of which two Quranic examples are presented. Various aspects of vocal features in the Quranic phrase: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) (Those unable to hear, speak and see) have been studied in detail; such features as: letters/sounds, vowels, consonants, syllable, and tonality together with different functions of tanvin involving nasal, Edgham, Qhalb, mute. The paper begins with a history of sounds and their semantic functioning. A number of semiological examples in connection with vowels and tonality are mentioned. The aforementioned Quranic phrase is put to a rhetorical and semiological analysis and then it is analyzed from a vocal viewpoint, in order to show how rhetorical facet of Quran has taken on vocal and musical features to render Quran verses as an artistic accomplishment.
ملخّص البحث
يكتفي هذا البحث بدراسة ظاهرتين صوتيتين من ظواهر صوتية قرآنية كثيرة، هما: دلالة الحركة، ودلالة الإيقاع، مع إيراد نموذجين قرآنيين لكلٍ منهما. ثم يتناول بالتفصيل الملامح الصوتية، بأبعادها المختلفة، في جزءٍ من آيةٍ شريفةٍ، وهو قوله تعالى: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) من خلال دراسة ما تشتمل عليه هذه الكلمات الثلاث من حروف (أصوات) وحركات وسكنات ومقاطع وإيقاع. إضافةً إلى ما يعتور التنوين فيها من غنّةٍ وإدغامٍ وإقلابٍ وإخفاءٍ.
وقد قدمنا للبحث بنظرة تاريخية موجزة، تناولتْ إشارات السابقين واللاحقين إلى موضوع الأصوات ودلالاتها. ثُم تَعَرَّضنا لدلالة الحركة والإيقاع ونماذجهما، منـتقلين بعدها إلى تحليل الآية المذكورة تحليلاً بلاغياً، تَمَّ توظيفه دلالياً، للانطلاق منه إلى التحليل الصوتي. حيث تمتزج الصُّورة البيانية بالصورة الصوتية والإيقاعيّة، فتعملان سويةًً على تشكيل الصورة الفنية للجملة القرآنية.
المفردات الأساسية: الحركة / الإيقاع / الصوت/ التحليل البياني/ المقاطع الصوتية
مقدمة:
يُطلق على اللغة بأنّها ظاهرةٌ اجتماعيةٌ[1]، وأداة التواصل الرئيسية بين البشر، وهي إضافةً إلى ذلك ظاهرةٌ صوتيةٌ[2]، لها ما يميزها عن سائر الرموز الأخرى غير اللغوية، ومن ثم فإن دراسة أيِّ نصٍّ أدبيٍّ دراسةً علميةً تستوجب البدء بالأصوات بوصفها وحدات مميزة تنتج منها آلاف الكلمات ذات الدلالات المختلفة.
والقرآن الكريم الذي هو أرقى نص أدبي على الإطلاق، كان قد وظّف كلَّ ما يمتلكه الصوت اللغوي من قدرات، وبخاصة القدرة على التصوير من جهة، والتنغيم من جهة أخرى، وذلك بهدف بلوغ أعمق مواطن التأثير في المتلقِّي، فغدا الصوتُ فيه صورةً متميزة للتناسق الفني، ومظهراً من مظاهر تصوير معانيه، وآية من آيات إعجازه الأسلوبي والبياني الرفيع.
لذا كان وقع القرآن على الآذان لا يجري وفق نمطٍ واحد رتيب، بل يتنوع بتنوع الموضوع، فتارةً يكون إيقاعُه هادئاً كنسيم الجنان، وتارةً يكون هادراً كريحٍ صرصرٍ عاتية، وتارةً أخرى يكون لا هذا ولا ذاك، فهو يتلوَّن بتلوُّنِ الأغراض الدلالية. ومن هنا فقد أمر اللهُ بترتيله على أحسنِ وجه، في قوله تعالـى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا) [المزمل:4]. وجاء في الحديث الشريف: «ليس مِنّا مَن لَم يَتَغَنَّ بالقرآن»[3]، والترتيل والتّغني هنا إنما هو قراءته جهراً في شيءٍ من التروِّي، بحيث تستبين حروفه، وتظهر حركاته، فيكون ذلك مدعاةً إلى إمعان الفكر فيه، وسبر أغواره، ومن ثم الوقوف على أسراره.
تأسيساً على ذلك، وانطلاقاً من قوله تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ) [محمد:24]، فقد جاء هذا البحث بهدف الكشف عن القيمة الدلالية الدقيقة للصوت، وإبراز مكانته في إعجاز النص القرآني، وقدرته الفذّة على الإبلاغ. وذلك من خلال الاشارة العابرة إلى دلالتي الحركة والإيقاع في القرآن الكريم. ثم الإنتقال إلى دراسة آية قرآنية واحدة، أو الجزء الأول منها، و هي قوله تعالى: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) [البقرة:18] بالتحليل الصوتي بأبعاده المختلفة.
نظرة تاريخية:
كان القرآن الكريم منطلقاً أساسياً ومباشراً لثلاث مجموعات من الدراسات، هي: الدراسات اللغوية، والبلاغية، والقرآنية، لذلك فقد ظهرت بوادر الدراسات الصوتية بنسب متفاوتة في كل من هذه الدراسات الثلاثة.
ولعل أول من التفت إلى صلة الدرس الصوتي بالدراسات اللغوية والصرفية والنحوية، هو الخليل بن أحمد الفراهيدي ( ت 175هـ) الذي بنى ترتيب الأصوات على أساس منطقي، انطلاقاً من معرفة خصائص الحروف وصفاتها[4]، وخرج علينا بمعجم العين بشقّيه: مقدمته، ذات القيمة العلمية الكبيرة، وأصل مادته اللغوية، ليكون، بحق، صاحب هذا العلم، ورائده الأول.
ثم تبعه تلميذه سيبويه (180هـ) سائراً على خطى أستاذه، لكنه خالفه قليلاً في صفات الأصوات، وأضاف إلى هذا العلم ما يشهد له بقدم السبق فيه، فقد وضع قضايا الإدغام، وحدَّدَ بدقَّة صفات الحروف ومخارجها. وكان علماء النحو والقراءة من بعده يسيرون على مذهبه[5].
ثم نهض بأعباء الصوت اللغوي بعد مدرسة الخليل اللغوي الكبير ابن جني(392هـ) متجاوزاً مرحلة البناء والتأسيس إلى مرحلة التأصيل[6]، متعرضاً لقضايا الصوت في كتابيـه: (سر صناعة الإعراب)، و (الخصائص) في بحوث غاية في الدِّقَّة، منها حديثه عن مصدر الصوت وكيفية حدوثه واختلاف جرسه بحسب اختلاف مقاطعه، والفروق البارزة بين الأصوات والحروف، والأصوات الصائتة والأصوات الصامتة.
كما تطرَّق ابن جني إلى موضوع نشأة اللغة، وأثر المسموعات الصوتية في نشوء اللغات الإنسانية، مشيراً في الوقت نفسه إلى نظرية محاكاة الأصوات في بابي: تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني، وإمساس الألفاظ أشباه المعاني. وهي ملامح سنجد لها ما يؤيدها في الآية التي نحن بصددها.
ونجد ملامح أساسية لهذا العلم عند علماء البلاغة الذين تعرَّضوا لمسائل الفصاحة، كفصاحة الكلمة والكلام، وموضوع اللَّفظ والمعنى في النص الأدبي. وكذلك عند الإعجازيين الذين درسوا القرآن على مستوى اللفظ والمعنى، وقالوا بالإعجاز بالنظم، كالرماني(386هـ)، والخطّابي (388هـ)، والباقلاني (403هـ)، و عبد القاهر الجرجاني (471هـ)، ثم ابن الأثير (637هـ)، وابن أبي الإصبع، (654هـ)، وحازم القرطاجني (684هـ)[7]، و...
كما أن علماء التجويد انطلقوا من الدرس الصوتي لتأصيل علم التجويد، فوضعوا عشرات المصطلحات الخاصة بالأداء الصوتي الدقيق للقرآن الكريم، فيما يُسَمِّيه علماء الأصوات اليوم بـ (علم وظائف الأصوات) phonology، ومنها صفات الحروف: كالهمس والجهر، والشِّدَّة والرخاوة والتوسُّط، والاستعلاء و الاستفال، وغير ذلك كالمد واللين والانحراف والتكرير والتفشي والاستطالة والإدغام والإخفاء، ثم أحكام الوقف و السَّكت، وهكذا دواليك.
أما في العصر الحديث فقد أفاد كثيرٌ من اللغويين العرب مِمّا توصَّل إليه الغرب في مجال علم الأصوات، أمثال إبراهيم أنيس، وتَمّام حسّان، وكمال بِشر، وآخرون. كما تَنبّه غير واحد من أهل العلم والدين والأدب بحسِّهم المرهَف، وذوقهم السّليم إلى الارتباط الوثيق بين الصّوت والدلالة، فتعرَّضوا في كُتبهم إلى شَذَرات مِمّا وقَع منه في القرآن الكريم، كالرافعي، وبنت الشاطئ، وسيد قطب، وغيرهم.
وفيما يلي نتناول باختصار شديد ظاهرتين صوتيتين في القرآن، هما الحركة والإيقاع، من ظواهر صوتية كثيرة، نُرجئُ دراستها إلى بحوث قادمة إنشاء الله. ثم ننتقل بعدها لدراسة الجزء الأول من قوله تعالى: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) وتحليلها تحليلاً صوتياً في شيء من التفصيل.
دلالة الحركة:
من المعلوم إن للحركة في اللغة العربية دوراً كبيراً في تحديد معنى الكلمة، سواءٌ على صعيد بنيتها التشكيلية، أو على صعيد حالتها الإعرابية. كما إن الفتح أو الضم أو الكسر، وكذلك السكون الذي يعتور الكلمة، بنسب متفاوتة، من شأنه تشكيل ملامح الكلمة، وتحديد صورتها النطقية، بسبب الصفات التي تُميّز كلاً منها.
وتسمية الحركات فيها شيء من خصائصها. ويدل على ذلك ما قام به أبو الأسود عندما أراد تنقيط المصحف الشريف. فقد أخضع عمله للتجريب والتذوُّق الفعلي للحركات، معتمداً في ذلك على وضع الشفاه من فتح وكسر وضم لها، قائلاً لكاتب من بني عبد قيس «إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه؛ فإن ضممت فمي، فانقط نقطة فوقه على أعلاه، وإن كسرت فاجعل النقطة تحت الحرف، فإن اتبعت شيئاً من ذلك غنة، فاجعل مكان النقطة نقطتين»[8]. ومن ثم كانت التسمية التقليدية المعروفة، الفتحة والكسرة والضمة[9].
وفي القرآن الكريم نماذج أكثر من أن تُحصَى، اختيرت فيها الكلمات اختياراً دقيقاً، ليشاطر بناؤها الحركي، حالتها التعبيرية. كما اختيرت فيه كلمات أخرى، ورُكِّبت في جمل بحيث يتساوق بناؤها الحركي إضافةً إلى حركتها الإعرابية، مع الحالة التعبيرية.
ومن أمثلة النموذج الأول؛ حيث تدل صيغة الكلمة من ناحية الحركات على المعنى، ما ورد في القرآن الكريم من استعمال كلمة (الحَياة) للدنيا، واستعمال كلمة (الحَيَوَان) للآخرة. في قوله عَزَّ مِن قائل: ( وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكوت:64] فلأنّ الدنيا دارُ لَهوٍ ولعب وزوال، عُبِّر عنها بالحياة. ولأنّ الآخرةَ دارُ كرامة وعزٍّ وبقاء، عُبَّر عنها بالحَيَوَان.
والعلة في استعمال القرآن كلمةَ (الحَيَوَان) للدار الآخرة، دون استعمال كلمة (الحياة) التي أطلقها على الدار الدنيا، مع إن كلاً منهما مصدر للفعل: حَيِيَ، يَحيَى، هو أنّ كلمة (الحَيَوَان) صيغة مبالغة بالألف والنون، وفي بنائها « زيادة ُ معنى ليس في بناء (الحياة)، وهي ما في بناء (فَعَلَان) من معنى الحركة والاضطراب... والحياةُ حركة، كما أنّ الموتَ سكون، فمجيئه على بناءٍ دالٍّ على معنى الحركة، مبالغة في معنى الحياة، ولذلك اختيرت (الحَيَوَان) على (الحَياة) في هذا الموضع المقتضي للمبالغة»[10]. وقد علَّل سيبويه ذلك بأنهم «قابلوا بتوالي حَرَكات المثال توالي حَرَكات الأفعال‏‏»[11]. وهو ما يتناسب مع الحياة المستمرة الدائمة الخالدة في الآخرة، ولم يُذكر لفظ (الحَيَوَان) في القرآن إلا وصفاً لها.
ومن أمثلة النموذج الثاني؛ حيث أنّ صيغة الكلمة من ناحية الحركات، إضافةً إلى حالتها الإعرابية في التركيب فيهما دلالة على المعنى، ما ورد في قوله تعالى: ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ # فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ # فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ # وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) [القمر:9-12]. فقد دعا نبيُّ الله نوحٌ(عليه السلام) ربَّه أن ينصرَه على قومه الذين كذبوه، فما لبثت أبوابُ السماءِ أن انفتحتْ على مصراعيها، فانْهَمَرَ منها مطرٌ غزيرٌ، وغدت الأرضُ كلُّها عيوناً متفجرةً بالماء، فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ.
فكلمة (فَفَتَحْـنَا) {1 1 1 ه 1 ه ، الرقم 1 متحرك بفتحة } تبدأ بثلاث فَتَحَات متوالية، تنسجم تماماً مع فعلِ فتحِ أبوابِ السماء. ويقوِّي الاحساس بفعل الفتح انتهاء هذه الكلمة بفتحة رابعة مختومة بحرف مدٍّ منفصل، يُمَدُّ بمقدار أربع أو خمس حركات[12]، يوحي بمقدار ذلك الفتح الذي وَسِعَ السّماءَ كلَّها. ثم تتوالى بعد ذلك حركةُ الفتح على كلمة (أَبْوَابَ) المنصوبة، ثم (السَّمَاءِ) ، مع ملاحظة الحرف الأخير منهما المردوف بألف المد المرتكز على حركة الفتح، وما يوحي من الاستطالة والسّعة والامتداد، ثم تُختَم الكلمةُ الأخيرة (السَّمَاءِ) بحرفٍ مكسور إيذاناً بنزول الماء منها، لِتَتَوالَى بعدها حركةُ الكسر في كلمتي: (بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ) وتختمان بها. ولا يخفى ما بين حركة الكسر المتكرِّر، وبين فعل نزول الماء من السماء إلى الأرض من تلاؤم و تناغم، من شأنه تحويل حاسة السمع في القارئ والسامع إلى حاسة إبصار، خاصةً ما يوحي به تنوين الكسر في نهاية الكلمتين الأخيرتين من شدة الانهمار، وما يدل عليه حرف الراء في آخر (مُنْهَمِرٍ) من التكرار، بسبب خاصيته التكريرية.
أما في قوله تعالى بعده: (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا) فنلاحظ عودة حركة الفتح من جديد لتتناسب مع حركة تفجُّر الماء من الأرض بحركة عكسية هذه المرة، من الأسفل إلى الأعلى. وقد جاء المد بالألف في: (فَجَّرْنَا)، و(عُيُونًا) ليوحي بتلك الحركة التصاعدية للماء.
والنماذج القرآنية التي يمكن أن تُساق كأمثلة على هذين النوعين من دلالة الحركة ومناسبتها للمعنى، من الوفرة والتنوُّع بمكانٍ، بحيث يمكن أن تُفرَد لها البحوث الطوال، إذا ما توفّرت في الباحثين في النص القرآني معطيات البحث السيميائي والألسني.

{ وفي السياق أعلاه لنلاحظ الفرق في مؤشر م/ع لقوله تعالى
فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ = 1 3* 2 2* 2 2* 3 1 3 2* 2* 3* ......م/ع = 6/ 4 = 1,5
وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا = 3* 2* 2* 2* 1 3 2* ......م/ع = 5/ 1 = 5,0
إن في تفجير الأرض لينبثق منها الماء عكس الجاذبية من الشدة أكثر مما في انسكاب الماء من السماء على غزارته ويجيء تفاوت مؤشري هذين النصين من الآيات الكريمة معبرا عن التفاوت في الشدة.
ولننظر الآن إلى مؤشر الماء المشترك بعد التقاء ماء السماء بماء الأرض :
فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ = 2* 3* 2 1 3 2* 2* 2* 3* ....م/ع = 6/ 2= 3,0
وهو قريب جدا من معدل المؤشرين السابقين ( 1,5 + 5,0 ) /2 = 3,25
المؤشر 3,0 أقرب قليلا إلى مؤشر النص الذي يتحدث عن ماء السماء فهل يعني ذلك أن دور الماء المنهمر كان أغلب ولو قليلا من دور الماء المنفجر ؟ الله أعلم.


دلالة الإيقاع:

لا يكاد يختلف اثنان على أصالة الإيقاع القرآني وتَفَرُّدِهِ، شَكلاً، وتنوُّعاً، وحلاوةً، وتأثيراً منذ زمان نزوله، وصولاً إلى عصرنا هذا. ولعلنا لا نجانب الحقيقة، إذا قلنا: بأنّ جمالَ نظمِ القرآن، الذي هو أُسُّ أعجازِهِ، قائمٌ على اصطناع الإيقاع الذي يطبع بنيةَ كلِّ سورة من السُّوَر بطابع خاص. بل إن هذا الطابع الإيقاعي يتنوّع بِصُورٍ وأشكالٍ متنوعة في السورة الواحدة، تبعاً للموضوع تارةً، ولمقتضى الحال تارةً أخرى.
ونكتفي في بحثنا هذا بالإشارة إلى نموذجين فقط؛ أحدهما يمثل تناغم الإيقاع القرآني مع المعنى الذي يُصَوّره. والثاني يكشف فيه الإيقاع بشكل دقيق عن الحالة النفسية التي يُعبر عنها.
أما النموذج الذي يُمثل النوع الأول؛ فهو الخاصية الإيقاعية المتنوعة التي تشتمل عليها سورة العاديات، بتمام آياتها. وهي:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا # فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا # فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا # فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا # فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا # إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ # وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ # وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ # أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ # وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ # إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ# )
فالسورة المباركة تنقسم بحسب مضمونها إلى ثلاثة أقسام[13]:
القسم الأول: مشهد فرسان يُغيرون على جماعة أخرى، تصويراً لصراع الإنسان في هذه الحياة. يمتد من الآية الأولَى وحتى الآية الخامسة. وهي آيات قصيرة جداً، تَتَوَالى سراعاً، والفاصلَة في الآيات الثلاث الأولى (وهي جمل إسمية) ألفٌ ممدودةٌ مسبوقة بالحاء. أما في الآيتين الأخيرتين (وهما جملتان فعليتان) فألف ممدودة أيضاً، ولكنها مسبوقة بالعين.
القسم الثاني: تحليل سريع وموجز لنفسية الإنسان، في غفلته، وحبه الشديد للمال، وكفره بنعم الله. ويشمل الآيات (6و7و8). وهي كلُّها جمل إسمية مؤكَّدة بإنّ وباللام، وفاصلتها جميعاً الدال المردوفة بحرف مد، هو الواو مرّة، فالياء مرتين.
القسم الثالث: تذكير بمصير البشر بعد الموت، وما ينتظره من بعث وحساب على الأعمال والنيات من قبل الله الخبير. ويشمل الآيات (9و10و11). حيث تتوالى جملتان فعليتان، فجملة إسمية، وفاصلتها الراء المردوفة بحرف مد، هو الواو مرتين، فالياء مرة.
فلكل قسمٍ صياغته، وفاصلته الخاصة به، كما أنّ له إيقاعه الذي يناسبه من الناحية الفكرية والتصويرية.
وتحليل هذه السورة من الناحية الصوتية والإيقاعية يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين، لذا اختصاراً للبحث، نشير إشارةً عابرة إلى القسم الأول من السورة المباركة. حيث يُصور مشهداً حيّاً نابضاً بالحركة والحياة، تعدو فيه كوكبة من الفرسان، نُحِسُّ بحرارة أنفاس خيلها، ونسمع وقع حوافرها، ونُبصر الشّرر المتطاير منها، وما تُثيره من الغبار حولها. لذا جاء إيقاعها منسجماً تماماً مع الحدث، وهو عَدْو الخيول بسرعة فائقة.
فالآيتان الأولَى والثانية: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا) تنتظمان وفق نسق إيقاعي واحدٍ سريعٍ، يتناسب بشكل لا يقبل الترديد والشك مع وقع حوافر الخيل وهي تعدو بأقصى سرعتها. وتقريباً لصورة هذا النسق الإيقاعي، حتى نتلمّس حقيقة مطابقته لوقع حوافر الخيل المسرعة، نستعين بالتفاعيل العروضية التي تطابقه وهي: (مُسْـتَفْـعِلُنْ فَعُـوْ لُنْ) لكلِّ آيةٍ. وهو وزن كثيراً ما كان فرسان العرب يرتجزون به في ساحات القتال، وهم يكرُّون على أعدائهم[14]. وتنتظم مقاطع هاتين التفعيلتين عروضياً على الشكل التالي:
(مُـسْ + تَـفْ + عِ + لُـنْ + فَ + عُـوْ + لُـنْ)
( ط + ط + ق + ط + ق + ط + ط)
حيث يمثل كل حرفٍ متحرك يليه ساكن نقرةً طويلةً، أو ما يسمى (مقطع طويل)، ورمزنا له بالحرف (ط). كما يمثل كل حرفٍ متحرك بمفرده نقرةً قصيرةً، أو ما يُسمَى (مقطع قصير)، وقد رمزنا له بالحرف (ق). ومن خلال تكرار هذا الايقاع عدّة مرات متوالية يتبين بوضوح مدى انطباقه مع إيقاع عدو الخيل، وهي تضرب الأرض بحوافرها بقوة.

أما الايقاع الذي في الآية الثالثة: (فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا) فيكاد يكون مطابقاً لسابقيه، لولا انحراف المد اليائي من الميم إلى الغين. ولكنه يظلُّ امتداداً طبيعياً لإيقاع الآيتين السابقتين وزناً وفاصلةً، لأنه يقاسمهما المعنى والصورة. أما فاصلة الحاء والمد الذي يليه في هذه الآيات الثلاث، فيُشكل عنصراً تصويرياً وصوتياً رائعاً، ما أقربه إلى حَمْحَمَة الخيول[15] المغيرة، نافثة بزفيرها الملتهب في الهواء الذي تَشُقُّه بأقصَى سرعتها.

{ وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا # فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا # فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا }

باقي الموضوع على الرابط:


https://sites.google.com/site/alaroo...qaa-alkawnee-1