بلاغة (أنْ) المزيدة


ترد بعض الحروف في القرآن الكريم لغرض بلاغي عميق ولا يظهر لها أثر إعرابي في تغيير حركات النص فتعرب عند النحويين زائدة والحقيقة أنه لاحرف زائد في القرآن الكريم إلا لهدف عميق المعنى , ومن هذه الحروف (أنْ) بعد (لمّا) الظرفية الزمانية ، كقول الله تعالى في سورة يوسف ( فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ 96)
وفي العنكبوت (وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ 33)
وفي القصص (فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ 19 )

ورد في التحرير والتنوير وكتاب إعراب القرآن لمحيي الدين الدرويش أن وظيفة أن المزيدة بعد لما
الظرفية تحمل معنى التركيز والتوكيد على الأحداث المتواصلة دون انقطاع حتى حدوث الفعل بعد أن المزيدة.
ففي قصة يوسف (فلما أن جاء البشير) تحمل (أن) مضمون الأحداث التي وقعت منذ فصلت العير من مصر متوجهة إلى حيث إقامة يعقوب وظهور كرامة يعقوب (إني لأجد ريح يوسف) إلى وصول البشير إلى بيت يعقوب وإلقائه القميص على وجهه.
وفي قصة رسل لوط (وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ) تحمل (أن) مضمون الأحداث من مغادرة الرسل بيت إبراهيم عليه السلام إلى وصولهم بيت لوط وظهور أثر مساءة هذا الوصول عليه.
وفي قصة موسى (فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ) تحمل (أن) مضمون الأحداث التي وقعت منذ قتل القبطي بوكزة موسى عليه السلام وخوفه وترقبه مما يمكن أن يحدث إلى عزمه على البطش بالقبطي الثاني.
فهذه الـ (أن) ذات مضمون بلاغي عميق جداً فسبحان الله العظيم على عظمة بلاغة كتابه الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه,