مقدمة

حين يبدأ مبدع العروض الرقمي ألأستاذ خشان بتدريس دورات الرقمي يبدأ بتنبيه المتدرب إلى أن " البدهية مقدمة على سواها في كل مجال ،وبدهيات العروض التي لم ينص عليها الخليل أهم من كل ماعداها وهي لمن ينطلق من جوهر نهج الخليل ممثلا في دوائره التي تجمعها ساعة البحور ، في غاية الوضوح " . ثم يستعرض بعجالة مجموعة قواعد ومبادئ أساسية يسميها (البدهيات) وهي ما يتوقع الأستاذ خشان أنها معروفة وظاهرة للعيان ومسلم بها من قبل أي دارس لمنهج الخليل في العروض .

على أن من يتابع معظم مواضيع الحوارات الساخنة للأستاذ خشان مع العروضيين الكبار ومع المهتمين بالعروض ومع الشعراء سيجد أن معظم الاختلاف في وجهات نظر المتحاورين إنما ينبثق من جدلية الاعتراف بتلك الأسس والمبادئ والتسليم بها أو تجاوزها وتجاهلها وعدم التسليم بها .
ويبدو لي أن ملاحظة تلك الأسس والمبادئ في كانت تتراءى واضحة وجلية للأستاذ خشان وهو منكب على التفرس في الدوائر إلى الدرجة التي جعلته يفترض ويقبل بدون برهان أنها واضحة وجلية للجميع . وليس أدل على جزمه بوضوحها من تسميته لها ( البدهيات ).

لكن البدهية لا تكون بدهية إلا بشرطين الأول أنها ظاهرة خاضعة لملاحظة الجميع دون استثناء . والثاني أنها مسلم بها من قبل الجميع بحيث لا يجب أن يختلف على وجودها وحكمها شخصان اثنان . . ومثال ذلك أن أقول : الإبصار بالعينين يستلزم وجود الضوء ، أو أقول : 1 + 1 = 2 . فمن ذا الذي يرغب في مجادلتي في قولي هذين حتى مجرد رغبة ؟ بالتأكيد لا أحد . فما قلته لا يتعدى أمرا بدهيا لا اعتراض عليه ولا يحتاج للمنافشة . إذن فما معنى أن تدور المجابهات في معظم حوارات الأستاذ خشان مع العروضيين حول تلك الأسس ؟ ثم لماذا يتمترس الأستاذ خشان في موقفه من أي طرح عروضي سواء أكان فيه مدعيا أو مدافعا خلف هذه الأسس لولا أن هذه الأسس تمثل بعض نتائج بحثه وتحليله عبر سنوات طويلة . . ؟
ثم يأتي من يتساءل : أين نتائج العروض الرقمي في تحليل منهج الخليل بعد هذه السنوات ؟ ألم تكن تلك مهمته في الأصل ؟فأي هي النتائج ؟
أو يأتي من يتهم العروض الرقمي بعدم تقديم رؤية موضوعية واضحة في تحليله طويل المدى لمنهج الخليل . . !

مشكلة الإخراج :

بمختصر القول : لقد اختلطت النتائج بالمقدمة وبطرائق البحث في العروض الرقمي بسبب التداخل الذي ألحقه الإخراج غير المنسق لمشروع العروض الرقمي ككل في مواقعه على النت . فأين حصل التداخل ؟
أولا : في تقديم بعض النتائج كبدهيات ضمن سياق المقدمات :
هذا الإخراج يوحي للمتابع بأن ليس هناك من كشف جديد يستحق الاحتفاء به وهذا هو الظلم بعينه . . ، فالمتدرب الجديد الذي جاء يدرس العروض الرقمي وهو لا يفقه شيئا في العروض التقليدي يقابله الأستاذ خشان ليقول له في بدء الدورات : هذه (بدهيات ) . . يعني ماذا ؟ يعني ليس هناك من حدث جديد . . البدهيات مسلمات مفروغ منها لا أحد يحتاج إلى ذكرها وليس ثمة من يختلف عليها . .والبدهيات في العروض معلومات أولية ويجب أن تكون قديمة لأن العروض قديم .والحديث عن فحوى البدهيات يدور حول محصلة الحاصل . . فما الفائدة من وجود العروض الرقمي إذن وما الجديد الذي قدمه بتكرار ذكر ما هو قديم ومعروف للجميع ( بدهيات العروض ) ؟
أما العروضي المخضرم الذي لم يستخدم مجهر الرقمي لينظر في دوائر الخليل فهو يدرك أن ما يسميه الأستاذ خشان بدهيات مبادئ كاملة المصداقية إلا أنه يتعامل معها بشكل إفرادي منعزل عن منظومة الدوائر المتكاملة كما هي في ساحة مجهر الرقمي وبالتالي فهو يجيز لنفسه تغييرها كونه لن ينظر ليرى ما يخلفه تغييرها من تقويض أو إخلال بنظام الدوائر المتكامل الذي يتبدى في ساعة البحور الرقمية .
ثانيا : تقديم بعض النتائج الآخر كمشروع رواية ( نحو رواية التخاب ) تدمج ما هو نظري فيما هو تطبيقي مجرد وتدمج الأدب بالعلم .فتؤدي بطريقة ما إلى تمييع ما طرحته من نتائج علمية فريدة وملفتة وجادة . إن مجرد طرح النتائج ضمن سياق (رواية ) يسيء إلى مصداقية النتائج العلمية بسبب ما تستلزمه الرواية من خيال المؤلف وتبعات ذلك في ذهن القارئ الباحث عن القانون العلمي . .
ثالثا : تقديم بعض النتائج تحت عنوان ( مبادئ وأسس ) مثل مبدأ التناوب بين الزوجي والفردي ، دون لفت الانتباه إلى أن هذه المبادئ والأسس هي نتائج متحصل عليها من تحليل منهج الخليل في العروض الرقمي فعدم التنويه والتذكير بهذا يشط بانتباه المتلقي إلى مضمون الأفكار دون تقدير مصدر نشوء الفكرة . وأرى الأمر هنا شبيها بما يحدث عندما يهب الله الإنسان نعمة ما ليشكره عليها فينصرف إلإنسان إلى التلذذ بهذه النعمة دون أن يفكر بمصدر النعمة وواهبها فيفوته تقدير حق الله وشكره ولله المثل الأعلى .
خلاصة القول : في أي بحث علمي لا يمكنك أن تقدم نتائج بحثك في مقدمة أطروحتك أو ضمن طرائق البحث . .لكن هذا ما حصل فعلا في العروض الرقمي وعبر مواقعه في النت .
ومن هنا يمكن تبرير ذلك اللاتقدير الذي قد يلحق بجهد الأستاذ خشان في أطروحته العلمية العروضية في الرقمي . .
لقد قدم الأستاذ خشان سبقا علميا تاريخيا مميزا وجديرا بالاهتمام والتقدير العلمي ممثلا بكشف ثم تحديد ثم تأطير القوانين الناظمة للعروض العربي كما تبدت في دوائر الخليل التي تم التعامل معها كمادة بحث وقد حفلت نتائج البحث بتفاصيل علمية موضوعية أقل ما يقال عنها إنها استوفت تحليل منهج الخليل ثم أسست فيه لفتوحات علمية منتظرة سنأتي على التنويه بأهميتها في هذا الموضوع أن شاء الله يتبع . . .بإذن الله .‏