جريدة الرياض ـ خزامى الصحاري

http://www.alriyadh.com/1121140


الجوزاي والضواري والطيور

أحياء فطرية تعايش معها الشعراء وأهمت قصائدهم


فالح الشراخ

تعايش أبناء الجزيرة العربية منذ القدم مع الأحياء الفطرية سواء الحيوانية منها أو النباتية لأنها تشكل مصدر غذاء والهام لهم منتقين منها جمالياتها وقوتها وضراوتها لذا أبرز الشعراء هذا الجانب الوصفي في مفردات الغزل وغيرها وفي مفردات وصف الشجاعة وجمال لوحة الصحراء عندما تزدهر بعد الأمطار ومن أهم الاحياء الفطرية التي عاشت على ارض الجزيرة العربية ودرجت ضمن مفرداتهم الشعرية وقصصهم اسطورية الظبي والمها العربي والذئب والصقر وطائر النعام وطائر الحبارى وغيرها وقد اختار الشعراء الظبي والمهاء للرشاقة والجمال الطبيعي ووصف العيون لأن لها جماليات خاصة تميزت بها فكانت موضعاً للجمال ورمزاً للرشاقة. واذا بحث الشاعر في تلك الحقبة الزمنية عن مصدر للتشبيه يريد منه ابراز الجمال الفطري فلن يجد في بيئتها المحيطة أجمل من خطوة الريم ولا عيون المها يقول الشاعر محمد السديري:

يا غزال الريم يا ظبي الفلا

ارحم اللي منك عينه ما تنام

ويقول ايضاً يصف عين العنود وهي التي تقود قطان الظباء ولها مميزات منها انها حذرة وتجفل من ظلها كونها تحمل مهمة التنبيه للقطيع وقيادته نحو الأمان:

الزين في وجهه قرينا حروفه

مكمل ما شفت مثله بالاوصاف

عين العنود اللي تقدم خشوفه

ان نارها وسط الخلا حس واشواف

ويتيمز غزال الريم بالرشاقة وخفة الحركة وتناسق الجسم وطول العنق وهذه الجماليات الفطرية تكتمل صورتها عندما يتخطى ذلك الجميل في الصحراء المخضرة فيلتفت يميناً أو شمالاً. يرى المتذوق لهذا الجمال صورة رائعة لهذا الكائن:

غزال ضيعت عقلي وروحي

رمت قلبي وقلبي مارماها

ويقول مناحي بن فالح السبيعي يصف حركة الريم وجمال عنقه:

عليها ملاميح من الريم لاقادي

صفق فيه ريح يوم هبت هبايبها

ولم يقتصر التشبيه على هذه الكائنات الفطرية الجميلة على وصف جمال المرأة فحسب بل تعداه الى وصف أشياء أخرى محببة للإنسان ومنها القهوة ووصف حالة الحذر ومايسمى الجفال والتذيير يقول الشاعر صالح بن قبلان:

لا ضاق صدري قلت شبوالي النار

سويت كيف ما يسوي مثيله

يشبه لدم غزيل يرعى الاقفار

عقب الصواب جافل من مقيله

وللأحياء الفطرية بما فيها الريم سلوكيات جميلة أثناء تجوالها في الصحراء فهي تتوزع في صورة قطعان يقودها احد الافراد وتنفرد احدى الاناثي احياناً بقيادة الصيد وسرعة تحركها فهي بذلك تتعب القناص بالمسير خلفها وقد يكون في هذا التعب لذة للقناص نظراً لصعوبة الحصول عليها يقول ضويحي الهرشاني:

عنز ريم تقود الصيد دقه وجله

عذبت ناقل البندق سريع الولام

ماتجي في ملاقيفه ولا مدهل له

حذرة الصيد ما تصطي عليها المرامي

وغالباً ما يتغزل الشعراء بالقايدة وهم لهم الحق في ذلك فهي ذات مواصفات ومقومات جسمانية تؤهلها للقيادة والسير بالقطعان حسب الاتجاه الذي تريد فهي لا سلوك قد ينجى بقية الافراد من عطب القناص او الأماكن التي يتواجد بها يقول غازي بن عون:

كن حلياها من الريم قايدة الوحوش

ربعت في المستوى بين الارخم والخويش

ويقول الشاعر عبدالعزيز العبيدي يصف مراتع الريم وجمال المكان الذي يتجول به مجسداً صورة رائعة لجمال الصحراء بفطرياته وعناصر المكان:

شبه خلي خشيف والحجر مدهل له

خشف ريم رتع بقفور خد وسام

ولقد اصبح اسم الغزال من حق ذلك الجميل الذي يتمتع بمواصفاته من جمال العين والعنق ورشاقة الجسم وجمال الخطوة عندما تتخطى على رمال النفود او بين زهور النفل والشيح والشمطري والخزامى يقول فهد بورسلي:

عين الظبي والهدب مكحول

موت حمر نهضة الحجان

ولم يغفل الشاعر ايضا عن ماشاهده من جمال في عين الصقر وخصوصاً الشياهين يقول الشاعر:

عينها عين حر شهر للمطير

ما حلا صف الأرباع بيدينها

ولقد سرقت صفات هذا الطائر الجميل العديد من مفردات الشعراء يقول الشاعر بندر بن سرور:

الأياعيون اللي مواكيرها فالخال

توالف رقايب نجد ماهيب بحرية

ومن الطيور التي ادرج الشعراء وصفها حمام الورق والغرنوق والنعام وغيرها كما أدرجت سلوكيات الطيور من حيث الحركة والصوت في الوصف يقول الشاعر عبدالله بن عون يصف حركة وصوت طائر الحمام:

عسيب عليه الراعبية تجر الصوت

تهزه ليا من ركد بالتفاتتها

تجر الونين لحالها والحمام سكوت

ليا سمعها راع الولع ون ونتها

والغرنوق طائر جميل معروف لدى الكثير بسبب تواجده حول المستنقعات المائية وطول إقامته وشدة بياض ريشه، وهو يعرف لدى البعض باسم الرهو خصوصاً عندما يميل لونه للكدرة أو تتغير بعض أجزائه ويمتاز هذا الطائر بجمال الشكل وتناسق الجسم خصوصاً بجمال وطول الرقبة عندما يرفع منقاره الى الأعلى وما جعلنا نتطرق الى بحث صفات هذا الطائر هو وجود مفردته في العديد من القصائد وخصوصاً الغزلية والتي يتطرق فيها الشاعر الى الوصف ويحدد رشاقة الجسم وطول العاتق. كما أن بعض الشعراء أدرج اسم هذا الطائر في وصف دلة القهوة عندما تكون على النار. وفي الوصف يقرب الغرنوق من العمهوج وهو الطول المتوازن وقد أورد الشعراء منذ القدم اسم هذا الطائر بنفس اللفظة مما يؤكد قدم استخدام هذا الاسم..

يقول أحد الأعراب:

أجاز إليها لجة بعد لجة

أزل كغرنيق الضحول عموج

كما ادرج الشعراء طائر النعام لوصف حالة الراحلة وسرعتها كون طائر النعام يشبه الراحلة من الأبل في حركته وقد اوردوا لها مسميات عدة منها الربدا للأنثى والظليم للذكر يقول الشاعر يصف راحلته وسرعتها:

راكب ولد أحمر فج عضوده

كنه الربدا مع الحزم البياني

كما شكلت الضواري التي كانت صحاري الجزيرة العربية مسرحاً لها مصدر للإبداع في وصف الشجاعة والقوة وتحريك الشجون عند العواء وكان للذئب النصيب الأكبر منها كون الذيب منذ القدم أسطورة في الصحراء واعتبر هذا المفترس رمزاً للشجاعة والاقدام والقدرة على المناورة واختراق حواجز الآخرين، كما وقعت عليه التهم في أكثر من حدث وللذئب صفات عدة ومنها الشجاعة لذا سمي الكثير من ابناء البادية باسمه لعل صاحب الاسم يأخذ من اسمه نصيبا للشجاعة والاقدام ومع نشوب العداوة الأزلية بين الذئب وابن البادية كونه مفترسا للمواشي ويشكل خطراً على من يسير في مواقعه الا انه اخذ مكانة كبيرة في نفوسهم يقول الشاعر فيصل الرياحي رحمه الله:

يا طامي الذيب صوبني بنيبانه

يا كثر ناس تبي الذيب ياكلنا

وقد ادرج الذئب في وصف حالة التخفي والمسرى والشجاعة والإقدام ورمز أيضاً للرجل عنما يأتي في الليل تقول احدى الشاعرات تصف زوجها

ياذيب ياللي تالي الليل عويت

ثلاث عويات على ساق وصلاب

سايلك بالله عقبها ويش سويت

يوم الثريا راوست والقمر غاب

ولا غرابة ان يستخدم الشاعر الذي احاطت به الصحراء بعناصرها الفطرية هذا النوع من الصور الرمزية وخصوصاً مع الذئب الذي أبهرهم وأعجبوا بشجاعته وقدرته على الاختراق وبأسلوب فيه نوع من الدهاء يقول سلطان الهاجري

دوباح ذيب على الشاوي ضوى

مرخي زقمه لعرق الرطاة ايشمها

وقد استطاع الشاعر ان يجير الرموز الشعرية لصالح قوة المعنى ومقاربة الصورة للمتلقي تقول إحدى الشاعرات لأخيها

يا ذيب ياللي جر صوت عوابه

مدري طرب والا من الجوع ياذيب

يا ذيب لا تقهرك عنها المهابه

يا مجفل الغزلان حنا المعازيب

كما أخذت السباع الأخرى نصيبها في الشعر وكونها انقرضت مبكرا فقد اخذت جانباً محدوداً ومنها النمر والفهد والأسود ولم تدرج الا في وصف الشجاعة والأقدام للرجل.