لماذا تركت الحصان وحيداً..؟
محمود درويش



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

إلى أين تأخذني يا أبي؟
إلى جهة الريح يا ولدي …

… وهما يخرجان من السهل ، حيث
أقام جنود بونابرت تلاً لرصد
الظلال
على سور عكا القديم
يقول أبٌ لابنه: لا تخف
لا تخفْ من أزيز الرصاص ! التصقْ
بالتراب لتنجو!
سننجو ونعلو على
جبل في الشمال
ونرجع حينَ عود الجنود إلى أهلهم في البعيد

ـ ومن يسكن البيت من بعدنا
يا أبي ؟
ـ سيبقى على حاله مثلما كان
يا ولدي !

تحسس مفتاحه مثلما يتحسس
أعضاءه
واطمئن. وقال لهُ
وهما يعبران سياجاً من الشوك :
يا بْنِي تذكّرْ!
هنا صلب الإنجليزُ أباك على شوك صبارة ليلتين
ولم يعترف أبداً.
سوف تكبر يا بْني، وتروي لمن يرثون بنادقهم
سيرة الدم فوق الحديدِ …

ـ لماذا تركت الحصان وحيداً؟
ـ لكي يؤنس البيت ، يا ولدي ،
فالبيوت تموت إذا غاب سكانها …

تفتح الأبدية أبوابها من بعيدٍ
لسيارة الليل
تعوي ذئاب البراري على قمر خائف
ويقول أب لابنه: كن قوياً كجدّك!
واصعد معي تلة السنديان الأخيرة
يا بْني، تذكّر: هنا وقع الانكشاريّ
عن بغلة الحرب ، فاصمد معي
لنعودَ

ـ متى يا أبي ؟
ـ غداً. ربما بعد يومين يا بْني!

وكان غدٌ طائشٌ
يمضغ الريح خلفهما في ليالي الشتاء الطويلة
وكان جنود يهوشع بن نون
يبنون قلعتهم من حجارة بيتهما
وهما يلهثان على درب (قانا):
هنا مر سيدنا ذات يوم
هنا جعل الماء خمراً
وقال كلاماً كثيراً عن الحب
يا بْني تذكّر غداً
وتذكر قلاعاً صليبية قضمتها حشائش نيسان
بعد رحيل الجنود …