أبو العلاء يمثل بالنسبة لي الحارس على الذوق الموسيقي العربي المستقر.
رغم اطلاعه الموسوعي على ما قاله أهل العروض لم يفعل كما يفعل بعض الشباب الذين يفتحون كتب العروض ثم يطبقون كل ما ورد فيها من زحافات على أنها جائزة ما دامت وردت في التراث! وعبثاً تحاول أن تقنعهم بأن ما ورد في الكتب كثيراً ما يخالف الذوق، وأنك لا تجد هذه الشذوذات عند الفطاحل من شعراء الذوق المستقر من أمثال المتنبي وأبي تمام والحلي وشوقي!
لم يفعل ذلك رحمه الله بل لام البحتري ذات مرة على أنه أتى بمستعلن في البسيط!
أحببت أن أتحف قراء المنتدى الكريم بأبيات له يلجأ فيها إلى استعمال العروض في تشبيهاته.
أظن طه حسين هو الذي قال إن هذه التمثيلات والتشبيهات اللغوية لا تكاد تظرف إلا عند أبي العلاء.
وصدق!
يقول رهين المحبسين:
بُعدي من الناس برء من سقامهمُ
وقربهم للحجى والدين أدواءُ
كالبيت أُفرد لا إبطاء يدركه
ولا سناد وما في اللفظ إقواء
فإن عشت منفرداً كنت كالبيت منفرداً لا أبيات معه فلا يدركه إقواء ولا سناد ولا إيطاء!
ويقول:

إذا ابنا أب واحد أُلفيا
جواداً وعيراً فلا تعجبِ
فإن الطويل نجيب القريض
أخوه المديد ولم ينجب!
وانظر إلى أبي العلاء حارس الذوق المستقر والناظر بعين الصقر نظرة بانورامية موسوعية إلى الشعر العربي كله، فهو هنا يشير إلى ما يعرفه قارئ الشعر العربي من ندرة استعمال البحر المديد، وهذه الملاحظات كلها مما لا يقرؤه القارئ في كتب العروض إذ نادراً ما تشير هذه الكتب إلى مدى تواتر استعمال الأوزان.
فإن كان أبو العلاء يعلم الشباب شيئاً فهو يعلمهم كثرة قراءة الشعر بأمثلته الممتازة لكي تصبح عنده غريزة صحيحة وسليقة.
والذي نراه مع الأسف أن الشباب كسول لا يكاد يقرأ إلا لنفسه ولأمثاله من المبتدئين، ومن هنا تدخل في حوار عسير معهم إن حاولت أن تشرح لهم بعض البديهيات المتعلقة بما يجوز أو لا يجوز في الشعر العربي!