-ذكر (عبد الله الطيب) في كتابه المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها)
معنى التسميط وتعدد القوافي واختلاف حرف الروي حيث قال:


(في عصرنا هذا نجد الذخيرة اللغوية قد ضؤلت جدًّا حتى إن محفوظ الأديب لا يزيد على عشرة آلاف من الكلمات أو نحو ذلك، وهذه الضآلة تستدعي نظامًا من التأليف مخالفًا للنظام القديم، إذا أصرّ أصحابها على ألا يزيلوها بتوسيع ذخائرهم اللغوية .
والتأليف الجديد إما أن يتبع طريقة التسميط-أي تنويع القوافي- وإما أن يتبع طريقة الشعر المرسل ويستغني عن القافية.
وإما أن يحاول مخرجًا ثالثًا غير هذين.
والتسميط كان مستعملا منذ عهد قديم،إلا أنه كان لا يجيء إلا في الأنواع الدُّنيا (أعنى غير الجادة العالية)من الشعر ،مما يقصد فيه إلى مجرد الترنم، ويحسن عليه الرقص.
وقد نشأ التسميط في العهود الجاهلية،لأنه لابد أن يكون قد سبق القافية الموحدة،فحسب ما تقتضيه قوانين التطور والتدرج ،ويبدو أنه كان في الغالب نوعًا شعبيًا،لا يرقى إلى مرتبة المقصدات والقطع التي كانت تنشد في المحافل والأسواق والأندية ،كما يبدو أنه كان مقصورًا على أنواع قليلة من الأوزان الخفاف كالرجز ومنهوك المنسرح مثل:
ويهًا بني عبد الدار***ويهًا حماة الأدبار
ضربًا بكل بتار
إنقبلوا نعانق ***ونفرش النمارق
أو تدبروا نفارق ***فراق غير وامق


ثم انتقل التسميط إلى سائر البحور القصار،واستعمله الأندلسيون في الرمل من البحور الطوال، ثم شاع استعماله حتى عم كل البحور،فظهرت أنواع التخميس والتسبيع والتثمين،وكثرت الموشحات وتعددت أنواعها،إلا أن التسميط على كثرته عند المحدثين ،لم يتجاوز الأنواع الثانوية من الشعر إلى الأنواع الجدية،ولم يتغلغل في البحور الطوال كما تغلغل في البحور القصار (إذ المسمطات الطوال كانت كلها من صناعة العلماء والمتكلفين كتخميسات البردة والهمزية) ولا أحسبه يستطيع أن يتغلغل فيها،لأن طبيعته طبيعة ترنم وتغن خفيف ،لا طبيعة جد واحتفال وجلالة.
وفي التسميط مع هذا عيب آخر،وهو أنه قابل جدا لأن يدخله من أنواع القيود ،ما يجعله أعسر بكثير من القافية الموحدة،وطبيعة اللغة العربية الخصبة بالقوافي تدعو إلى ذلك وتعين عليه،افرض أنك أردت تنظم قصيدة مسمطة،أي منوعة القوافي،قد تكتفي فيها بقافية تلتزم في كل ثلاثة أبيات أو أربعة أو خمسة.
وتد تنوّع فتجعل لصدور الأبيات قافية،ولأعجازها قافية أخرى،وقد تزيد في التنويع فتقسم قصيدتك إلى أجزاء،كل جزء يتكون مثلا من خمسة أشطار -بيتين كاملين وشطر منفصل ،يكتب تحتهما في وسط السطر ،ولصدري البيتين قافية،ولعجزيهما قافية أخرى ،وللشطر المنفصل قافية ثالثة،تماثل القوافي المستعملة في الأشطار المنفصلة التي تأتي في جميع الأجزاء، هكذا :
شطر،قافية أ ***شطر،قافية ب
شطر قافية أ *** شطر قافية ب
شطر قافية جـ
شطر قافية د *** شطر قافية هـ
شطر قافية د *** شطر قافية هـ
شطر قافية جـ
شطر قافية و***شطر قافية ز
شطر قافية و***شطر قافيةز
شطر قافية جـ

كل هذه الأوجة أمامك تختار منها ما تشاء،ولعلك تفضل الوجه الأول-التزام القافية في ثلاثة أبيات أو أربعة أو خمسة-لسهولته ولكنك بعد أن تكثر من النظم فيه تجد نفسك تمله وتميل شيئًا فشيئًا إلى الزخرفة اللفظية،فتفارقه إلى الوجه الثاني ،فالوجه الثالث،وهكذا إلى أن ينتهي بك التجريب والأخذ والترك،إلى النوع الذي رسمناه أو إلى شيء زخرفي قريب منه،وأظنك توافقني أن كثرة تنويعه،وتعدد قوافيه ، أشد تشويشًا على الناظم من القافية الموحدة،وأحرى أن يصرفه عن متابعة أفكاره ،وأن يشغله باصطياد أحرف الرويّ المناسبة.