السلام عليكم

في هذا الرابط


قرأت نبذة مختصرة سردها الدكتور عمر خلوف بارك الله فيه عن كتابه "فن التقطيع الشعري"

وأردت نقلها هنا لمناقشته من ناحية العروض الرقمي ،فهذا هدفنا ودراستنا

أظن أن الكتاب فكرته تقوم على التأصيل ،(إرجاع كل رقم إلى أصله )كما نعرف في العروض الرقمي

فمثلا لو تجاور وتدان في بيت الشعر 3 3 أما هكذا3 3 الزرقاء حدث لها زحاف أصلها 4 3 ، أو هكذا 3 4 =3 2 2ولو جاء في البيت 1 3 = 2 3 أو 1 1 3 = 2 2 3
______________

مثلا هذا البيت
يُعاتِبُني في الدَّيْنِ قومي وإنّما........ديونِيَ في أشياءَ تُكْسِبُهمْ حَمْدا
يُعا3تِ1بُني3 فد2 دّيْ2نِ قو3مي2 وإن3 نما3........ديو3نِ1يَ في3 أش2يا2ءَ تُكْ3سِ1بُهمْ3 حَمْ2دا2
3 1 3 2 2 3 2 3 3 ***3 1 3 2 2 3 1 3 2 2 "نلون الارقام ونأصلها "
3 2 3 22 3 2 3 2 2 *** 3 2 3 2 2 3 2 3 2 2
هو من بحر الطويل


أنقل لكم المقدمة والتعليق عليها وطرح الأسئلة .

المقدّمـَـــة

إن لقضيّةِ التّقطيعِ الشعري ومعرفةِ البحر أهميّةً عظيمةً، وإجادتُها من أهمّ مباحثِ علمِ العروض، فهي غايتُهُ وثمرتُهُ العمليّة، وهي مبتغى طالبِ هذا العلم سواءً أكانَ شاعراً أم ناقداً أم محقّقاً أم باحثاً. فالشاعرُ؛ يحتاجُ -أحياناً- أن يضبطَ ما كتبَه، ليُجنِّبَه زحافاً قبيحاً (أو انحرافاً) خانتْهُ أُذُنُه في إدراكِهِ، ويحتاجُ الناقدُ والمحقِّقُ والباحثُ لمعرفةِ صحيحِ الشعرِ من فاسدِهِ، وضبْطِ كلماتِ البيتِ ضبطاً صحيحاً بعدَ معرفةِ وزنه.
سؤال هنا هل مبتغى وغاية علم العروض معرفة البحر الشعري أم هذا مبتغى العروض؟
وكثيراً ما يقفُ المرءُ أمامَ بيتٍ من الشعرِ يتساءل: من أيِّ بحرٍ هو ؟
وحتى الآن بقيَتْ عمليّةُ إيجاد الوزنِ غامضةً مبهمةً، يصعبُ معها الوصولُ إلى معرفة بحر البيت المقصود، فهي تعتمدُ عندهم على تفكيكِ البيت بإعادةِ كتابته كتابةً طلَّسْميّةً عجيبةً منفِّرةً تدعى (الكتابةَ العروضيةَ)، قاعدتُها: "كلُّ ما يُنطَقُ في اللسانِ يُكتب، وكلُّ ما لايُنطَقُ يُهمل"! ثمَّ يُعاد تركيبُه بطريقةٍ مُملّة، تعتمدُ على الحَدْسِ والتّخمينِ والمحاولةِ والتجريب، بِمُقابلةِ ما نُريد معرفةَ وزْنِهِ مع قوالب الشعر العديدة حركةً بحركةٍ وسكوناً بسكون. وكثيراً ما يحتاجُ المرءُ للوصولِ إلى ذلك إلى جهْدٍ ومشقّةٍ بالغَين، وتكرُّرِ المحاولات، وذلك لِما في الشعر عادةً من زحافات (أو تغييرات)، تؤدّي في أبسطِ حالاتها إلى ابتعادِ البحر عن شكله النموذجيِّ المعروف.
فبعد شرحه طريقةَ الكتابةِ العروضية؛ يصف المحلّي (-673 هـ) كيفيّةَ الوزْنِ والتقطيع فيقول: "فإذا أردتَ أن تزِنَ بيتاً وتُقطّعَه على مقدارِ الأجزاءِ [التفاعيل] التي يوزَنُ بها فطريقُهُ: أن تنظُرَ في أوّلِ البيت، فإذا كان أوّلُه سببٌ بعدَه وتد [/ه//ه]، فاعرضْ عليه من الأجزاءِ ما أوّلُهُ سبب بعده وتد، وإن كانَ أوّلُه سببان خفيفان [بعدهما وتد /ه/ه//ه] أو ثقيلٌ وخفيف بعدهما وتد [///ه//ه]، فاعرضْ عليه مثله. وإن كان أوله وتد مجموع بعده سبب أو سببان فاعرضْ عليه مثله. ولا تزالُ تمتحنُ متحرّكاتِ أوّل البيت وسواكنَه، ومتحركاتِ الأجزاءِ وسواكنَها حتى تجدَ ما يُوافق أوّلَ البيت. ثمّ ضعْ أوّلَ حرفٍ في البيت بإزاءِ أوّلِ حرفٍ في الجزء [التفعيلة]، وثانيَه بإزاءِ ثانيه، ثمّ قفْ عند ذلك، سواءٌ أكانَ وقوفُك على آخر كلمةٍ أم على بعضها. ثمّ انظرْ في أوّل سائر حروف البيت، كما نظرتَ في أوّل البيت، وخذْ جزءاً يُوافقُه، سواءٌ أكانَ ذلكَ الجزءُ الأوّلَ أم غيره، واصنعْ فيه من مُقابلةِ المتحرّكِ بالمتحرّك والساكنِ بالساكن ما أعلمتُكَ، ثمّ قفْ أيضاً. ولا تزال تفعل ذلكَ حتى تُقطّعَ جميعَ البيت"!!
بل إن التقطيعَ عند الدّماميني (-817 هـ) شيءٌ أعجب، فهو يبتدئُ عنده بمعرفةِ البحر، وهو المجهولُ الذي نبحثُ عنه أصلاً. يقول: "فإذا عمدنا إلى تقطيعِ البيت وكتابَتِهِ بهذا الهجاء [أي كتابةً عروضيةً] فإننا ننظر أوّلاً في الشعرِ، من أيِّ جنسٍ هو [أي من أيِّ بحر هو!] وننظرُ أجزاءَهُ [أي تفاعيلَه!] التي تَرَكَّبَ منها، ثمّ نضعُ قطعةً من البيت مُقابِلَةً لجُزْءٍ من أجزاءِ التفعيل، بِمقدارِهِ منَ الحركاتِ والسكنات، ونعملُ ذلك في جميعِ أجزاءِ البيت، حتى يصيرَ قِطَعاً بِمقدارِ الأجزاء .."!!
ولست أدري ما فائدةُ التقطيع إذا ما عُرِفَ البحر؟!!
وقد زهِدَتْ معظمُ كتُبِ العروضِ في عَرْضِ هذه القضيّةِ المشكلة، ولم تتعرضْ لِما يُواجهُ المُتدرّبَ من صعوباتٍ، فاقتضَبَت المشكلةَ، وعرَضتْها لتبدوَ كأنّها مسألَةً بدَهيّةً سهلةً، بل ربّما تجاوزتْها تماماً. ومَنْ كَتَبَ منهم شيئاً عن التقطيع، وضعَ جُلَّ اهتمامِهِ وتركيزهِ على الخطوةِ الأولى من بحثنا هذا، وتغافَلَ عمّا سواها. يقول د.مصطفى حركات: "ولكنّ التقطيعَ لا يهتمُّ إلاّ بتحديدِ سلسلة السواكنِ والمتحركات .. أمّا تحديدُ الأسبابِ والأوتادِ والتفاعيل والشطر، فإنّ كلَّ ذلك يُتركُ لحَدْسِ القارئ!".
ولقد شعر بعضُهم بحجمِ المشكلةِ، فنبَّهَ إلى صعوبةِ التقطيع، والعجزِ عنه، حتى لِمَن استوعبَ قواعدَ العروضِ واستظهرَ مسائلَه، ووعى ضوابطَه، ودعا آخرون إلى إعطاءِ الأمرِ أقصى عنايـةٍ ممكنةٍ ، ودراسةِ الإيقاعِ بطريقـةٍ جديدةٍ تُزيلُ تلكَ الصعوبات.
بل حاولَ بعضُهم الوصولَ إلى طريقةٍ ميسَّرةٍ في التقطيعِ الشعري، فخصَّصَ الأستاذ عبد العليم إبراهيم كتابَه "صفوة العروض" لبحثِ التقطيع الشعري ومحاولةِ تيسيره، إلاّ أنّه لم يُقدّمْ طريقةً علميةً صحيحةً لمعرفةِ البحر، ولم يبتعدْ كثيراً عن طرائقِ التجريبِ والتخمين.
ومع أنّ د.صفاء خلوصي قد أسمى كتابَه في العروض "فنّ التقطيع الشعري والقافية"، فإنّ الطريقةَ التي عرَضَها جاءت مقتضَبَةً إلى حدّ الابتسار، فلم يزِدْ على القول بأنها تعتمدُ على قانونَيْ: "قابليّة القسْـمة" و"التناظر" دونَ شرحٍ أو تطبيقٍ لأكثرَ من مثالٍ واحدٍ على البحر الطويل. وكان بودّنا لو بسَطَها بسْطاً علمياً ميسَّراً، وعَرَضها على التطبيقِ العملي، ليُعلَمَ مدى جدْواها.
وربما كانت محاولةُ د.كمال أبو ديب، أوّلَ محاولةٍ علميةٍ تتَّسِمُ بالجِدَّةِ والجِدّيّةِ. فلقد قسَمَ أبو ديب بحورَ الشعر إلى قسمين :
1-ما يبتدئُ بوتد (//ه)؛ حيثُ يُقطَّعُ البيتُ إلى تفاعيلِه بأنْ يُؤخذَ كلُّ وتدٍ مع ما يليهِ من أسباب.
2-ما يبتدئُ بسبب ()؛ ويُقطّعُ البيتُ إلى تفاعيلِهِ بأن يُؤخذَ كلُّ وتدٍ وما يسبقُهُ من أسباب.
وهي كما ترى طريقةٌ منطقيّةٌ وسهلة، ولكنها أدّتْ إلى إحداثِ تفعيلتين جديدتين (على الأقل):
* تتركّبُ أولاهما من ثلاثة أسباب فوتد (/ه /ه /ه //ه) وأطلقتُ عليها اسـم
(مستفعيلَتن).
* وتتركّبُ الثانية من وتدٍ فثلاثة أسباب (//ه /ه /ه /ه) وأطلقْتُ عليها اسم
(مفاعيلاتن).
ومِنْ ثَمَّ ابتعدَتْ ستةُ بحورٍ عنده عن شكلِها المعروف:
1- فالرمَلُ يساوي عنده: ( فاعلن مستفعلن مستفعلاتن ).
2- والمديدُ يساوي عنده: ( فاعلن مستفعلن فاعلاتن ).
3- والخفيفُ يساوي عنده: ( فاعلن مستفعيلتن فاعلاتن ).
4- والمنسرحُ يساوي عنده: ( مستفعلن مستفعيلتن فاعلن ).
5- والمقتضَبُ يساوي عنده: ( مستفعيلَتن فاعلن ).
6- والمضارعُ يساوي عنده: ( مفاعيلاتن فعولن ).
وبغضِّ النظرِ عن هذه الأشكالِ الجديدة، فإنّ هذه الطريقةَ في التقطيع، لا تنطبقُ إلاّ على الأشكالِ النموذجية للبحور. ومعلومٌ طبعاً أن الصعوبةَ تكمنُ في تقطيعِ الأشكالِ المُزاحَفَة التي يزخرُ بها الشعر العربي. وربما لو أُتيحَ لهُ اكتشافُ أشكالِ الزحاف، وقوانين إعادتها إلى أصولها لاقتربتْ طريقتُهُ خطواتٍ كبيرة من الكمال.
وللدكتور أحمد مستجير دراسةٌ عروضية متميِّزة، حاول أن يُقدِّمَ فيها "رؤيةً مختلفة في موسيقى الشعر"، وأن يُظهرَ ما في الشعر من انتظامٍ رياضيٍّ مُحْكم، يُشيرُ إلى بعض خصائصه. وينصبُّ انتقادُنا له على قبوله -مضْطَرّاً- لبحورٍ مُهْملةٍ؛ كالبحر المطّرد، وأصله عنده هو: (فاعلاتن مفاعيلن مفاعيلن) ثمّ إقراره بعدم استخدامه إلاّ مجزوءاً -بل مبتوراً- بالشكل (فاعلاتن مفاعي)، وهذا عندنا من المتدارك (فاعلن فاعلن فا). وكالبحر الذي أسماه بالدوبيت، وشكله عنده هو: (مفعولاتُ مفعولاتُ مفعولاتُ)!!، وهي تفعيلات بحرٍ مهمل وجدنا عليه بعض الموشحات الأندلسية، ولكن لا علاقةَ له بالدوبيت من قريبٍ ولا بعيد، على الرغم من تطابقِ دليليهما الرقميين عنده أحياناً.

وأسوأ من ذلك؛ اضطراره إلى قَسْر بعض البحور -التي ابتعدتْ كثيراً عن شكلها العروضيّ المعروف- على تقبّل نظريّته:
1 ـ فالبحر الطويل عنده يساوي: (مفْعولاتُ مفْعولاتُ مستفعلن)!! مما يضطره إلى حذف فاء (مفْعولاتُ) الأولى وجوباً، وإضافة سبب أو سببين إلى آخره وجوباً كذلك. بل ونتيجةً لتطابقِ الدليل الرقمي للطويل -في معلقات امرئ القيس وطرفة وزهير- مع الدليل الرقمي للدوبيت السابق أحياناً، فإنه يعتبر أكثرَ من (40%) من أشطر هذه المعلقات من بحر الدوبيت فعلاً!! وهكذا اختلطت عنده ثلاثةُ بحورٍ متمايزةٍ كلَّ التمايز أصلاً، فأصبحَ البحر الطويلُ وهو أشهرُ البحور وأكثرها استعمالاً يساوي عنده بحراً مهملاً لم تُكتب عليه قصيدةٌ معروفة كما يساوي أيضاً بحراً أعجمياً مستحدثاً هو الدوبيت!!.
2 ـ والبحر البسيط يساوي عنده: (مستفعلن فاعلاتن فاعلاتن)!! مع وجوبِ إضافةِ سببٍ إلى آخره، وتحريكِ نون (فاعلاتن) الثانية!!.
3 ـ والبحر المديد يساوي عنده: (فاعلاتن فاعلاتن مفاعيلن)!!، مع وجوبِ حذف السبب الأخير كذلك.
أضف إلى ذلك وقوعَه فيما يُوجَّه إلى نظرية الخليل ذاتها من انتقادات وأعني افتراضَه أصولاً لبعضِ البحور ليسَ لها واقعٌ في عالم الشعر.
* فالبحر المقتضبُ عنده هو: (مفعولاتُ مستفعلن مستفعلن)، مع وجوبِ حذف (مستفعلن) الأخيرة.
* والبحر المضارعُ عنده هو: (مفاعيلن فاعلاتن مفاعيلن)، بحذف (مفاعيلن) الأخيرة وجوباً كذلك.
والطريقةُ على تميُّزِها، وخضوعِ معظمِ بحور الشعر لها، تكدُّ الذهنَ بِمتابعة الأرقام الخاصة بِما أسماه الأسبابَ المميِّزة، أو الأرقام الخاصّة بالزّحافات. فلكلِّ تفعيلةٍ أو زحاف رقم، ولكلِّ شطرٍ (أو بحر) دليلٌ للتفاعيل، ودليل رقمي، بل دليلٌ رقمي احتمالي.وللوصول إلى تفاعيل البحر نحتاج دائماً إلى إجراءِ ثلاثِ عملياتِ طرحٍ حسابية. كما لا يزال في طريقته الكثير من حالات التخمين والتجريب، بل والاعتماد على الأحاسيس أحياناً.

* * *
وقد تميّزتْ طريقتنا عمّا سواها، في عدمِ إحداثِ تفاعيلَ أو أشكالٍ جديدة للبحور، وعدم قَسْرِ أيّ بحرٍ على تقبُّلِ قواعدها، وإنما هي وصفٌ واقعيٌّ للبحور كما ورَدَتْ في الاستخدامِ الفعليّ للشعر.
والجديدُ فيها أيضاً؛ قدرتُها على كشفِ أشكالِ الزّحافِ، وقوانين إعادتها إلى أصولِها النموذجيّة. إذْ أنّ صعوبةَ التقطيع تعودُ كما قلنا إلى وجودِ الزحافِ أو التغيير الذي يبتعد بالبحرِ عن شكله النموذجي المعروف.
وقد تركّزَ تعديلُنا على إلغاءِ ما يُسمّى بالوتد المفروق ( /ه/والتفاعيل الوهميّة التي تقومُ عليه، وإلغاءِ ما يُسمّى بالسبب الثقيل ( // )، وبالتالي اعتبار الفاصلة ( ///ه ) نواةً إيقاعيةً قائمةً بذاتها وغير قابلةٍ للتجزيء. كما قمنا بترتيبِ البحور ترتيباً منطقيّاً يوحي بخصائصِها، وسرْنا بالبحثِ خطوةً خطوة، لنأخُذَ بيد الطالب إلى ما نُريدُ له معرفتَه.

أرجو التفاعل وتقييم الكتاب من الناحية العروضية الرقمية ،ولى عودة لاستكمال باقي التعليقات على الكتاب
بارك الله فيكم