مقال للكاتب بداح السبيعي في جريدة الرياض


ـــ

أقل ما يُقال

الشعر من سقط المتاع

بداح السبيعي
يتفق كل شاعر مبدع مع فئة غير قليلة من المتلقين في التعبير عن رفض سلوكيات خاطئة يمارسها بعض الشعراء، أو يقعون فيها بقصدٍ ومن غير قصد، فاختلاف الوعي من شاعر إلى آخر يؤدي إلى تفاوتهم في تقدير الموهبة التي يمتلكونها وفي الاستفادة منها بعيداً عن الابتذال وبعيداً عن استغلالها بطرق سلبية تُسيء لهم ولإنتاجهم، وكثيراً ما تقابلنا قصائد يشتكي فيها أحد الشعراء المبدعين من تدهور وضع ساحة الشعر، ومن تراجع مستوى الشعراء نتيجة لعوامل مختلفة، ولسان حال الشاعر يُردد قول أبي سعيد الرستمي:

تركتُ الشعرَ والشعراء إنّي

رأيتُ الشعر من سقط المتاع


عوامل عديدة تؤدي إلى تراجع مكانة الشعراء والنظر إلى الشعر على أنّه من سقط المتاع، ومما لا قيمة له، ولعل أشهر هذه العوامل وأقدمها هو اتجاه الشاعر لاستجداء الآخرين بأشعاره، وتحوّله من مبدع حقيقي إلى آلة لإنتاج القصائد المنظومة التي تُطلب منه نظير مُقابل مادي، أو يتبرّع هو بنظمها من دون عناية بما قد تمثله من إضافة إلى تجربته، وهذه الفئة من الشعراء هي التي عناها الشاعر المبدع خالد البقمي في قوله:

كم شاعرٍ بألفين تلقاه يفترّ

حسب الطلب موجود مدّاح شاتم

تبي يحطك بالسْطر مثل عنتر

والا يحطّك بالكرم مثل حاتمّ


طمع الشاعر لا يُحوّله إلى آلة لنظم الشعر فحسب، بل يُفقد قصائده روح الشعر وجمالياته، إذ لا يُتوقع أن تكون القصيدة المطلوبة من الشاعر مماثلة في مستواها للقصيدة التي يمنحها حبه واهتمامه الكبير، ويتفاعل مع موضوعها إلى أن ترى النور، والقصيدة التي يكتبها الشاعر للاستجداء ينطبق عليها في الغالب ما ينطبق على قصائد الشخص الذي خاطبه بدر الحريص قائلاً:

أنت لا شاعر ولا شعرك يجمّل

لو قصيدك زين قلنا ما يخالف

لد عينك في قصايدك وتأمل

والله إنه لا قصيد ولا سوالف


ويرى الشاعر محسن الهفتاء أن معاملة الشاعر لقصيدته ينبغي أن تكون كمعاملته للأمانة التي يُفترض به أن يحرص على المحافظة عليها وألا يستعجل إذاعتها للناس:

القصيدة يا هل الشعر المغنا

مثلها مثل الأمانة عند أهلها

لو يهوجس هاجسك منّا ومنا

لا تعجّل مشّها على مهلها


طمع الشاعر واستعجاله، وكذلك غروره كلها عوامل تُسهم في تقهقر مكانته، وتؤدي إلى فقد قصيدته لكثير من جمالياتها ولتأثيرها على المتلقي، ومن الرائع أن يقوم الشعراء أنفسهم بدور النقاد، وأن يساهموا في تقويم الأخطاء التي يرتكبها بعض زملائهم من باب الحرص على أن يظل الشعر أدباً رفيعاً لا تتراجع قيمته ولا تسقط.