النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: همة التحصيل عند السلف

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,954

    همة التحصيل عند السلف

    http://www.ghorbanews.com/news.php?a...5#.UehoUo1HJAE

    حميد بن خبيش | 19/7/1434 هـ

    تشكو العديد من الأسر المسلمة اليوم ضعف التحصيل الدراسي لدى أبنائها . و رغم حرصها على تأثيث فضاء الطفل بكل اللوازم التي تيسر له الأداء الفاعل داخل حجرة الدرس , إلا أن النتائج تكون في الكثيرمن الحالات مخيبة للآمال , أو لا تحقق الثمرة المرجوة نظير الجهد المبذول .

    و الحق أننا إذا قارنا عزوف الطفل عن التحصيل المدرسي إزاء إقباله الشديد على الوسائط التكنولوجية الحديثة , نخلص حتما إلى السبب الرئيسي ممثلا في افتقاد التعليم المدرسي لعنصر الجذب و الإغراء , و تردده في اعتماد مناهج تعليمية أكثر استجابة لحاجيات الطفل و اهتماماته .

    إن ناشئتنا اليوم تُعوزها نماذج للاقتداء تغذي رغبتها في الإقبال على التعلم , و تضمن لها الحفز المعنوي الدائم لتحمل مشقة التحصيل و المعرفة . فاكتساب القيم و المثل و المعارف لا يمكن أن يتحقق بالشكل المطلوب سوى في ظل نموذج يُحتذى به . ولعل من أسوأ ما ابتليت به نظم التعليم الحديثة هو خلو مقرراتها الدراسية من النماذج المشرقة التي يزخر بها تاريخ الأمة في شتى المجالات . فنشأ جيل لايعرف عن ابن خلدون أو الزهراوي أو ابن البيطار سوى أنه اسم لشارع , أو يافطة مثبتة على واجهة مدرسة !

    وفي المقابل , يقف المرء مندهشا أمام ما أبداه السلف من همة عالية في التحصيل , و تحمل للمكاره و المشاق في سبيل تنقيح حديث أو تحقيق سند . بل إن منهم من نقض سقف بيته لطلب العلم , ومن افتقر بعد غنى سعيا وراء المشايخ في كل قطر ! ولم تكن بغية أحدهم طلب الرئاسة و الجاه و الملذات بقدر ما كانت استجابة لداعي القرآن , و التماسا لطلب الأجر و الثواب . ولهدا يلحظ كل دارس لأخبارهم و سيرهم أن منشأ سعيهم لتحصيل العلم هو امتثالهم لوجوب طلبه كم حثت على ذلك نصوص القرآن و السنة النبوية . يقول ابن الجوزي ناصحا ولده " ما تقف همة إلا لخساستها , و إلا فمتى علت الهمة فلا تقنع بالدون . وقد عرفت بالدليل أن الهمة تولد مع الآدمي ,و إنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات فإذا حثت سارت . ومتى رأيت في نفسك عجزا فسل المنعم , أو كسلا فالجأ إلى الموفق , فلن تنال خيرا إلا بطاعته , و لا يفوتك خير إلا بمعصيته " (1).

    ومما يُؤثر عنهم في هذا الباب أن أغلبهم كان لا يقنع بما يُحصله من علم في بلده , فيبذل زهرة شبابه مرتحلا من بلد إلى آخر , يلقى الشيوخ و العلماء ليُباشر السماع و الأخذ عنهم مشافهة . وذاعت الرحلة كمسلك تعليمي حتى عدها ابن خلدون في مقدمته من كمال التعليم, و رسوخ الملكات و تفتحها ! ومن أعجب الأخبار في هذا المسلك ما أورده البخاري في "الأدب المفرد " عن رحلة جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى الشام لسماع حديث من عبد الله بن أنيس رضي الله عنهما . ومن أشهرها كذلك رحلة الإمام أحمد ابن حنبل التي باشرها وهو ابن ست عشرة سنة . يقول الإمام " رحلت في طلب العلم و السنة إلى الثغور, و الشامات , و السواحل, و المغرب , و الجزائر , و مكة , والمدينة , والحجاز , واليمن , و العراقين جميعا , وفارس , وخراسان , والجبال , والأطراف ثم عدت إلى بغداد " (2) .

    ومن همتهم في التحصيل أنهم كانوا لا يأنفون من التعلم والنهل من كل صنوف المعرفة , حتى مع شهرتهم وذيوع صيتهم بين الناس . ومما يُحكى في هذا الباب عن شيخ المفسرين الإمام محمد بن جرير الطبري أنه كان لا يرضيه الجهل بعلم تسعه الإحاطة به , فاتفق ذات يوم أن سُئل عن شيء في علم العروض .قال " جاءني يوما رجل فسألني عن شيء من العروض , ولم أكن نشطت له قبل ذلك , فقلت له : إذا كان غد فتعال إلي . وطلبت من صديق لي العروض للخليل بن أحمد , فجاء به , فنظرت فيه ليلتي , فأمسيت غير عروضي و أصبحت عروضيا " (3)

    ومن دلائل همتهم كذلك انشغالهم بطلب العلم عن سائر الملذات , فكانوا يتحملون مشقة الجوع و العطش والعري , ومنهم من امتهن حرفا يأنف منها اليوم حتى الجاهل! لا لشيء سوى لسد الرمق و شراء الكتب.

    فقد باع أبو حاتم الرازي ثيابه لما أقام بالبصرة طلبا للعلم حتى نفد كل ما معه , فكان يقضي يومه في مجالس العلم , وليس بين يديه ما يسد جوعه غير الماء !

    ومما يحكيه ابن الجوزي عن حاله زمان خروجه لطلب الحديث أنه كان يأخذ معه أرغفة يابسة , فلا يقدر على أكلها حتى يبلها بالماء .

    ولم يحل ضيق ذات اليد دون إقبال الإمام الشافعي على تلقي العلم , فكان رحمه الله لا يجد ما يكتب عليه إلا عظام الشاء و أكتافها حتى امتلأت الدار بها .

    وضاقت النفقة على الإمام الحافظ أبي علي الوخشي وهو بعسقلان يطلب الحديث , فبقي أياما بلا أكل حتى عجزت يده عن الكتابة ! فكان رحمه الله يقعد بجوار دكان خباز ليشم رائحة الخبز ويتقوى بها !

    وقد أجاد الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله و أفاد في كتابه الماتع " صفحات من صبر العلماء" , حين جمع من أخبارهم و أحوالهم ما يبعث في نفوس الناشئة فضيلة التأسي بهم . ففيه غنية لمن رام الاستزادة .

    إن تخلي نظم التعليم الحديثة , بموجب التبعية , عن تضمين المناهج الدراسية ما يبعث على علو الهمة في التحصيل سواء من سيرالسلف و أخبارهم , أو مما يفرض رفع التحدي الحضاري , قد زج بناشئتنا في متاهة البحث عن نماذج الاقتداء في الحياة العامة . وبالتالي أتيحت للإعلام المنحل فرصة من ذهب لتوجيه العقول و النفوس صوب الاقتداء بنماذج سيئة, تمعن في فصل أبنائنا عن هويتهم وعقيدتهم , و تستنفد قواهم و طموحاتهم في هوامش إلهاء مقيتة.

    إن من جنايات التعليم الحديث على أبناء المسلمين أنه أضعف روحهم المعنوية , وجفف منابع الرجولة في نفوسهم حين أعاد تشكيل آمالهم وتصوراتهم بشكل يقطع صلتهم بأسئلة الحاضر و تطلعات المستقبل . لذا فإن التربية على القدوة و علو الهمة تستمد ضرورتها اليوم من حراك تطمح الأمة من خلاله وصل ما انقطع, و استكمال مسيرة البناء الحضاري .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2012
    المشاركات
    892
    أخشى أن الاقتداء بالسلف في همة التحصيل أصبح ضربا من الآمال الخيالية عند الآباء .
    فحتى التخصص العلمي العالي في أحد العلوم مع اتساع العلوم وتعمقها أصبح صعبا في البلدان العربية مع تخلف الجامعات العربية في وسائل البحث العلمي بدءا من مهزلة ضعف التمويل وعدم اقتناء الأجهزة الأكثر تطورا للبحث وانتهاء بمهزلة عدم التخطيط لتوظيف البحث العلمي واستثماره بالفعل لمعالجة الواقع المصاب بالأمراض الخبيثة .

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
الاتصال بنا
يمكن الاتصال بنا عن طريق الوسائل المكتوبة بالاسفل
Email : email
SMS : 0000000
جميع ما ينشر فى المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأى القائمين عليه وانما يعبر عن وجهة نظر كاتبه فقط