النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الدليل العملي لنظم الشعر

العرض المتطور

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,966

    الدليل العملي لنظم الشعر



    الدليل العملي لنظم الشعر
    Writing Verse : A practical Guide
    وجدت في هذا الكتاب للمؤلف كولن جون هلكم من العمق والجدوى ما يجعله مفيدا على المستوى الأدبي العالمي فيما يخص الشعر والعروض. وهو يكتسب أهميته من المستوى الراقي الذي يتبوأه أكثر من خاص توجهه في ذلك المستوى وهو توجه قد ينظر إليه بالنقد من جانبي الاختلاف في العالم العربي سواء من يرى فيه تهاودا أو قسوة تجاه هذا التيار أو ذاك وهذه ترجمتي لمقدمته الثرية لتعريف القارئ العربي به، وربما أدى ذلك إلى ترجمة الكتاب لاحقا للعربية.

    المقدمة ثرية وطويلة نوعا ما وأصل ترجمتها على الرابط :

    https://nprosody.blogspot.com/2017/1...cal-guide.html

    وأنقل من تلك الترجمة بعض فقراتها :



    لماذا نظم الشعر
    النظم وسيلة لغاية، إنه خطوة تجاه ما يمكن – بالموهبة والجهد – أن يصبح شعرا. إنه يجعل الكلام مؤثرا ومحركا وجميلا.
    فنظم الشعر يصوغ بنية للأبيات تتحرر فيها من استعمالاتها ودلالاتها اليومية. فللكلمات عند الشعراء معاني خاصة واستعمالات صائبة ولها ارتباطاتها ودلالاتها وأنسابها، وسِيَرَها المتباينة بين ذات اليمين أو الشمال. إنه يبث السحر في الصور والمشاعر والأعماق الظليلة والأسطح المتألقة. إنه يسبغ على خصائصها من الروعة والتناهي ما لا تكشفه الإلمامة العابرة. عندما تسلك الكلمات مسارها الذي تتواشج فيه نسيجا من العبارات والأوزان فالأبيات والقصائد فإن كلا من خصائصها تكتسب ألوانا متواصلة التغير، سواء في ذلك كل ما يتعلق بالمعنى أو الارتباطات أو الثقل أو اللون أو المدى اللفظي أو الشكل أو القوام أو الملمس أو ما سوى ذلك . ومن هذه الخصائص يتكون الوليد الشعري مستكملا نموه التدريجي من عملية تفاعل الشاعر ونصه.
    ****
    ونظير ذلك قد يساعد في تقريب الصورة. ولدنا في اللغة ونستعمل كلماتها وعباراتها الجاهزة للتعامل في انشغال الحياة. من هذه اللغة وأحيانا من عباراتها نصوغ الشعر. وهو لذلك يعتبر كامنا في اللغة. نظم الشعر يقوم باختيار وتنظيم وهيكلة تلك اللغة. بالطريقة التي يقوم بها الراديو بالتقاط وبث ما لم نكن لنسمعه بدونه.
    وخلافا لما يقال عن تكبيل نظم الشعر للغة فإنه يُثري إمكاناتها وأهميتها ومسؤولياتها. إن النظم الشعري آلية إثراء للغة. ولكن له مصطلحاته وتقاليده التي تكتسب بالتعلم.
    وعليه فإن هذا الكتاب موجه لمن يهتمون بالشكل الشعري أو يصبون إليه. ويخاطب تلك الأقلية التي تتذوق كيف تسيد تناغماته المعقدة على الورق نطقا وصمتا ما يعجز عنه الصوت الحي من " وري زناد الكلام " وهو هدف جليل ولكنه في الواقع صعب ومحدود. ليس نظم الشعر مقتصرا على مادة المصطلحات، وليس طبيعيا على الإطلاق ، ولا ينبغي أن يحكم عليه بمعايير التعامل اليومي. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإيغال في النأي عن المألوف تجعله متكلّفا ممجوجا. ولكن ذلك ليس حجة لتأسيس الشعر على قاعدة لغة النثر.

    ****
    وعموما:
    1- التفرغ للشعر تحالف مع الفقر، وشحيح مردوده في المال أو الشهرة، وكالفنون الأخرى فإن مردودا أكبر يعود على صاحبه بحياة أفضل يقع على حواشيه أي تعليمه والتعليق عليه و/أو إنشاده.
    2- الشعر استدعاء وليس مهنة.
    3- رغم الحث عليه والدعاية له والصرف عليه فإن الشعر لم يعد ملك الأدب والفن وقد تدنت مرتبته – إنه يستحق رعاية الناشرين والإعلام ولكنه لا يحظى بها.
    4- إن مردود الشعر هو مردود المحترف الحاذق في الوسط الصعب، إنه يفضي بالشاعر إلى إدراك فرص عظيمة ويبعث في حسه نشوة عارمة عند نجاحه.
    5- لا ينفك الشعر عن القيام بدور ورشة للغة، ويكشف من أمرها ما يفوت النثر. وحقيقة يبقى الشعر رغم كل الصعوبات الحالية أهم أصناف الكتابة المعاصرة وأكثرها إثارة وإبداعا وابتكارا. والولوج إليه مصاحبة للنخبة وآصرة قُربى مع مبدعي الماضي.



    يرغب الشاعر الرشيد تبين هدفه ووجهته وإلى أي الحركات أو المجموعات ينضم.
    أوسع مجموعتين هما المحترفون والهواة، ولكن الاختلاف في تحديد الشعر الجيد موجود حتى لدى المحترفين ومن العسير اختيار الانتماء إلى الحركة الصحيحة. لا يمكنك التعبير عن الإعجاب بسياسة التكتلات الأدبية إلا بالانخراط في مسار الأحداث من كتابة وتأليف ومراجعة، وفي نهاية المطاف لا بد لك من إعلان تأييدك لأحد أصناف الشعر ومن ثَمّ مواءمة نتاجك معه. ستكون هيئة اختيارك مرشدا ولكن مطالعتك الواسعة وخاصة لنقد الطرف الآخر أمر ذو جدوى.


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,966
    لفت انتباهي تقاطع مقال لأستاذتي ثناء صالح

    http://www.fonxe.net/vb/showthread.p...01#post1692401


    بعنوان تحليل نفسي للحالة الشعرية " مع هذا الموضوع فكتبت هناك التعليق التالي :


    من معرفتي بفكر أستاذتي ثناء حاح صالح أوقن أن في مواضيعها من العمق والأصالة الفكريين ما يفرض علي أحد موقفين لا ثالث لهما. أولهما التفرغ والتركيز وثانيهما الابتعاد. فليس مما يليق بفكرها أن يقرأ قراءة سطحية أو أن يكتفى في التعليق عليه بالكلام المجامل.

    أمر منذ فترة بظرف يحول دون تركيزي في التفكير ولذا حتى عندما يتوفر الوقت فإن المجال فيه يتسع لما لا يحتاج عميق تركيز كالجمع أو النشر أو تفصيل بعض المواضيع أو حتى الترجمة. وتشاء الصدف أن أطلع على مقالها هذا بُعيد فراغي من ترجمة مقدمة " الدليل العملي لنظم الشعر "

    http://nprosody.blogspot.com/2017/10...cal-guide.html


    للكاتب Colin Holocombe وقد أعجبتني تلك المقدمة وهي تشجع على قراءة الكتاب كله.
    وجدت في كلامها ما يتقاطع كثيرا مع ما ذكره وما لا يقل عنه عمقا وأصالة.

    سأنقل مقاطع من الترجمة ومن كلام أستاذتي ليحكم القارئ بنفسه. علما بأن مقال أستاذتي سبق نشري للترجمة بأربعة أيام.

    وفرت لي فرصة الإشارة إلى هذا التقاطع فرصة الحد الأدنى للتعليق وعندما أقول التقاطع فإنني وجود مقالها والكتاب على نفس المستوى من العمق والأصالة سواء اختلفا أو اتفقا في المضمون.
    أغتنم الفرصة لأحيي أستاذتي. وأتمنى أن يتاح لها التفرغ للفكر والأدب وأن تجد من أمتها ما يليق بها من تكريم.
    فيما يلي ما كان بالأسود فهو من نص أستاذتي وما تبعه من أزرق فهو من نص صاحب المقدمة.

    فهذ الأودية التي يهيمون فيها ليست سوى أودية المفردات التي تخلت عن دلالاتها الاجتماعية ذات الطابع القيمي المتعارف عليه....وما أضعف الشاعر عند انتهائه من كتابة نصه في الدفاع عن شعره من ناحية الدلالات القيمية ..فغالباً لا يكون الشاعر نفسه قادراً على تقمص حالته الشعرية في واقع الحياة ....ونستدل على ذلك من أن التعبير الشعري عند الشاعر قد كان في الأصل حالة انفجار ثوري تعبيري تحت ضغط امتلاء المشاعر بالرؤى والانفعالات الشعرية ضمن الحالة الشعرية .

    نأتي الآن إلى الغرض الثالث من أغراض كتابة الشعر عند الشاعر وهو التلذذ بالعملية الإبداعية الذي يفرض على الشاعر المتلازمة النفسية الإبداع – إشباع الحس الجمالي والتي تتسم بها الحالة الشعرية عنده .

    وبرأيي الشخصي ..كلما كانت الصور الشعرية متسقة كوحدات بناء صغيرة مترابطة وموظفة ضمن الرؤية العامة لبناء المشهد الشعري كانت تدل على درجة أرقى وأكثر تطوراً من وعي الحس الجمالي عند الشاعر . الأمر يشبه تماماً أن ترسم لوحة بالفرشاة والألوان على خلفية قماش اللوحة ...فهل يقبل الحس الجمالي أن تكون هناك بقع غير ملونة في خلفية اللوحة ؟ غير أن ميزة الصور الشعرية الجميلة أنها فضلا ً عن اتصالها العضوي بعضها مع بعض ضمن المشهد الشعري فهي قادرة على أن تتضمن نوعاً من الحركة التي ينتقل عبرها الشاعر من منطقة إلى أخرى عبر المشهد الشعري بشكل متسلسل ...وتتأتى هذه الميزة من أننا عندما ننظر إلى لوحة حقيقية مرسومة بالريشة فنحن نراها ككل ...بل مطلوب منا أن نتأملها ككل وإن كنا نستطيع تركيز بصرنا على بعض أجزائها دون الآخر بغاية اكتشافه أكثر...لكن الصورة الشعرية ولأنها محمولة عبر الكلمات لا نستطيع أن نتذوقها كلها دفعة واحدة ولا ينبغي لنا ذلك بل إن إحداها تنتقل بنا إلى الأخرى عبر تسلسل يفترض أن يكون منطقياٌ مراعاة لعدم الانقطاع في تصور المشهد الشعري في ذهن المتلقي

    وكذلك اعتاد الرسامون تقليد الأعمال الفذة. ولم يكن ذلك لمجرد غياب التصوير ولكن أيضا لأن التمرين علمهم لماذا تم تناول كل عنصر معاملة خاصة. بحيث لو شابت صفاء لون الكُمِّ أدنى شائبة أو تحركت حبات العنب سنتمترين في اللوحة التي اقتنصت لحظة الحياة ، لاتضح أن هناك خطأ ما. ولّد التمرين إدراكا يشكل مرجعا للمهارة العملية.

    وعليه فإن هذا الكتاب موجه لمن يهتمون بالشكل الشعري أو يصبون إليه. ويخاطب تلك الأقلية التي تتذوق كيف تشيد تناغماته المعقدة على الورق نطقا وصمتا ما يعجز عنه الصوت الحي من " وري زناد الكلام " وهو هدف جليل ولكنه في الواقع صعب ومحدود. ليس نظم الشعر مقتصرا على مادة المصطلحات، وليس طبيعيا على الإطلاق ، ولا ينبغي أن يحكم عليه بمعايير التعامل اليومي. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإيغال في النأي عن المألوف تجعله متكلّفا ممجوجا. ولكن ذلك ليس حجة لتأسيس الشعر على قاعدة لغة النثر.


    نأتي الآن إلى الغرض الثالث من أغراض كتابة الشعر عند الشاعر وهو التلذذ بالعملية الإبداعية الذي يفرض على الشاعر المتلازمة النفسية الإبداع – إشباع الحس الجمالي والتي تتسم بها الحالة الشعرية عنده
    لكن في الحقيقة فإن الحالة الشعرية تتضمن فضلاً عن متعة الاستعراض التي يمكن تأصيلها إلى إشباع دافع الكرامة والإحساس بالاحترام الذاتي عند الشاعر متعة أخرى مهمة جداً عنده هي متعة إشباع دافع الحس الجمالي وهي متعة خاصة قد لا تتوفر بشكل واضح ودائماً عند كل الناس , وذلك لأنها تتطلب الصقل المستمر كي تنمو وتتضح


    إن مردود الشعر هو مردود المحترف الحاذق في الوسط الصعب، إنه يفضي بالشاعر إلى إدراك فرص عظيمة ويبعث في حسه نشوة عارمة عند نجاحه.

    لكن للشعراء تطلعات أسمى وذلك بتخليد اللحظات الجميلة التي تعبر حياتنا الحافلة بالفوضى والمشاكل. إنهم يصبون إلى استكشاف أمور لا وجود لها خارج النسيج المحكم لتعابيرهم. فهم يصبون إلى قول ما لا يستطيع عاقل غيرهم أن يقوله إذ يبدعون التعبير فذ المعنى نابض الإحساس عن العالم الذي يصفه سواهم بشكل مجرد مختصر.



    إن منهج الخروج عن المألوف في الإثارة يظل هو الأقوى في الحالة الشعرية . ولو انتبهنا إلى ما يتعرض إليه الشعراء من النقد لوجدنا أن مشكلة تكرار الصور الشعرية واستهلاكها تبرز كخطر يهدد شخصية الشاعر بالاضمحلال أو الذوبان في الشخصية الشعرية لغيره من الشعراء إذ المطلوب دائما ً هو الإتيان بالجديد والمتفرد من قبل كل شاعر وهذا لا يتحقق للشاعر إلا بمزيد من الصقل للحس الجمالي عند الشاعر ...لكن عملية الصقل نفسها والتي تعتمد بالدرجة الأولى على تثقيف الشاعر نفسًه بالقراءات الدؤوبة لأعمال غيره من الشعراء هذه العملية نفسها قد ترسم إطارا لأبعاد الحس الجمالي عند شاعر ما عندما يقع تحت تأثير أحد الشعراء الأقوياء مما يجعله ودون انتباه منه يعكس خصائص ذلك الشاعر القوي في حسه الجمالي

    وعليه فإن هذا الكتاب موجه لمن يهتمون بالشكل الشعري أو يصبون إليه. ويخاطب تلك الأقلية التي تتذوق كيف تشيد تناغماته المعقدة على الورق نطقا وصمتا ما يعجز عنه الصوت الحي من " وري زناد الكلام " وهو هدف جليل ولكنه في الواقع صعب ومحدود. ليس نظم الشعر مقتصرا على مادة المصطلحات، وليس طبيعيا على الإطلاق ، ولا ينبغي أن يحكم عليه بمعايير التعامل اليومي. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإيغال في النأي عن المألوف تجعله متكلّفا ممجوجا. ولكن ذلك ليس حجة لتأسيس الشعر على قاعدة لغة النثر.


    ترجع الآداب والفنون دوما إلى آمال منابعها وهذا ما صرح به بن جونسون قائلا :" المُتَطلّب الثالث في شاعرنا أو مبدعنا هو التقليد وذلك بطبيعة الحال بعد القريحة والتمرين " من أجل التمكن من تمثّل أو هضم إبداع غيره ومن ثم إنتاجه بطابعة الشخصي. لا أعرف يفضي إلى خزائن الحروف أكثر من دراسة كتابات الأولين، ولا يعني ذلك الوقوع تحت هيمنتهم، ولا استمداد المصداقية منهم. فهم قد شرّعوا لنا الأبواب وسلكوا الدروب قبلنا كمرشدين لا كقادة.



  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2012
    المشاركات
    892
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خشان خشان مشاهدة المشاركة
    لفت انتباهي تقاطع مقال لأستاذتي ثناء صالح

    http://www.fonxe.net/vb/showthread.p...01#post1692401


    بعنوان تحليل نفسي للحالة الشعرية " مع هذا الموضوع فكتبت هناك التعليق التالي :


    من معرفتي بفكر أستاذتي ثناء حاح صالح أوقن أن في مواضيعها من العمق والأصالة الفكريين ما يفرض علي أحد موقفين لا ثالث لهما. أولهما التفرغ والتركيز وثانيهما الابتعاد. فليس مما يليق بفكرها أن يقرأ قراءة سطحية أو أن يكتفى في التعليق عليه بالكلام المجامل.

    أمر منذ فترة بظرف يحول دون تركيزي في التفكير ولذا حتى عندما يتوفر الوقت فإن المجال فيه يتسع لما لا يحتاج عميق تركيز كالجمع أو النشر أو تفصيل بعض المواضيع أو حتى الترجمة. وتشاء الصدف أن أطلع على مقالها هذا بُعيد فراغي من ترجمة مقدمة " الدليل العملي لنظم الشعر "

    http://nprosody.blogspot.com/2017/10...cal-guide.html


    للكاتب Colin Holocombe وقد أعجبتني تلك المقدمة وهي تشجع على قراءة الكتاب كله.
    وجدت في كلامها ما يتقاطع كثيرا مع ما ذكره وما لا يقل عنه عمقا وأصالة.

    سأنقل مقاطع من الترجمة ومن كلام أستاذتي ليحكم القارئ بنفسه. علما بأن مقال أستاذتي سبق نشري للترجمة بأربعة أيام.

    وفرت لي فرصة الإشارة إلى هذا التقاطع فرصة الحد الأدنى للتعليق وعندما أقول التقاطع فإنني وجود مقالها والكتاب على نفس المستوى من العمق والأصالة سواء اختلفا أو اتفقا في المضمون.
    أغتنم الفرصة لأحيي أستاذتي. وأتمنى أن يتاح لها التفرغ للفكر والأدب وأن تجد من أمتها ما يليق بها من تكريم.
    فيما يلي ما كان بالأسود فهو من نص أستاذتي وما تبعه من أزرق فهو من نص صاحب المقدمة.

    فهذ الأودية التي يهيمون فيها ليست سوى أودية المفردات التي تخلت عن دلالاتها الاجتماعية ذات الطابع القيمي المتعارف عليه....وما أضعف الشاعر عند انتهائه من كتابة نصه في الدفاع عن شعره من ناحية الدلالات القيمية ..فغالباً لا يكون الشاعر نفسه قادراً على تقمص حالته الشعرية في واقع الحياة ....ونستدل على ذلك من أن التعبير الشعري عند الشاعر قد كان في الأصل حالة انفجار ثوري تعبيري تحت ضغط امتلاء المشاعر بالرؤى والانفعالات الشعرية ضمن الحالة الشعرية .

    نأتي الآن إلى الغرض الثالث من أغراض كتابة الشعر عند الشاعر وهو التلذذ بالعملية الإبداعية الذي يفرض على الشاعر المتلازمة النفسية الإبداع – إشباع الحس الجمالي والتي تتسم بها الحالة الشعرية عنده .

    وبرأيي الشخصي ..كلما كانت الصور الشعرية متسقة كوحدات بناء صغيرة مترابطة وموظفة ضمن الرؤية العامة لبناء المشهد الشعري كانت تدل على درجة أرقى وأكثر تطوراً من وعي الحس الجمالي عند الشاعر . الأمر يشبه تماماً أن ترسم لوحة بالفرشاة والألوان على خلفية قماش اللوحة ...فهل يقبل الحس الجمالي أن تكون هناك بقع غير ملونة في خلفية اللوحة ؟ غير أن ميزة الصور الشعرية الجميلة أنها فضلا ً عن اتصالها العضوي بعضها مع بعض ضمن المشهد الشعري فهي قادرة على أن تتضمن نوعاً من الحركة التي ينتقل عبرها الشاعر من منطقة إلى أخرى عبر المشهد الشعري بشكل متسلسل ...وتتأتى هذه الميزة من أننا عندما ننظر إلى لوحة حقيقية مرسومة بالريشة فنحن نراها ككل ...بل مطلوب منا أن نتأملها ككل وإن كنا نستطيع تركيز بصرنا على بعض أجزائها دون الآخر بغاية اكتشافه أكثر...لكن الصورة الشعرية ولأنها محمولة عبر الكلمات لا نستطيع أن نتذوقها كلها دفعة واحدة ولا ينبغي لنا ذلك بل إن إحداها تنتقل بنا إلى الأخرى عبر تسلسل يفترض أن يكون منطقياٌ مراعاة لعدم الانقطاع في تصور المشهد الشعري في ذهن المتلقي

    وكذلك اعتاد الرسامون تقليد الأعمال الفذة. ولم يكن ذلك لمجرد غياب التصوير ولكن أيضا لأن التمرين علمهم لماذا تم تناول كل عنصر معاملة خاصة. بحيث لو شابت صفاء لون الكُمِّ أدنى شائبة أو تحركت حبات العنب سنتمترين في اللوحة التي اقتنصت لحظة الحياة ، لاتضح أن هناك خطأ ما. ولّد التمرين إدراكا يشكل مرجعا للمهارة العملية.

    وعليه فإن هذا الكتاب موجه لمن يهتمون بالشكل الشعري أو يصبون إليه. ويخاطب تلك الأقلية التي تتذوق كيف تشيد تناغماته المعقدة على الورق نطقا وصمتا ما يعجز عنه الصوت الحي من " وري زناد الكلام " وهو هدف جليل ولكنه في الواقع صعب ومحدود. ليس نظم الشعر مقتصرا على مادة المصطلحات، وليس طبيعيا على الإطلاق ، ولا ينبغي أن يحكم عليه بمعايير التعامل اليومي. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإيغال في النأي عن المألوف تجعله متكلّفا ممجوجا. ولكن ذلك ليس حجة لتأسيس الشعر على قاعدة لغة النثر.


    نأتي الآن إلى الغرض الثالث من أغراض كتابة الشعر عند الشاعر وهو التلذذ بالعملية الإبداعية الذي يفرض على الشاعر المتلازمة النفسية الإبداع – إشباع الحس الجمالي والتي تتسم بها الحالة الشعرية عنده
    لكن في الحقيقة فإن الحالة الشعرية تتضمن فضلاً عن متعة الاستعراض التي يمكن تأصيلها إلى إشباع دافع الكرامة والإحساس بالاحترام الذاتي عند الشاعر متعة أخرى مهمة جداً عنده هي متعة إشباع دافع الحس الجمالي وهي متعة خاصة قد لا تتوفر بشكل واضح ودائماً عند كل الناس , وذلك لأنها تتطلب الصقل المستمر كي تنمو وتتضح


    إن مردود الشعر هو مردود المحترف الحاذق في الوسط الصعب، إنه يفضي بالشاعر إلى إدراك فرص عظيمة ويبعث في حسه نشوة عارمة عند نجاحه.

    لكن للشعراء تطلعات أسمى وذلك بتخليد اللحظات الجميلة التي تعبر حياتنا الحافلة بالفوضى والمشاكل. إنهم يصبون إلى استكشاف أمور لا وجود لها خارج النسيج المحكم لتعابيرهم. فهم يصبون إلى قول ما لا يستطيع عاقل غيرهم أن يقوله إذ يبدعون التعبير فذ المعنى نابض الإحساس عن العالم الذي يصفه سواهم بشكل مجرد مختصر.



    إن منهج الخروج عن المألوف في الإثارة يظل هو الأقوى في الحالة الشعرية . ولو انتبهنا إلى ما يتعرض إليه الشعراء من النقد لوجدنا أن مشكلة تكرار الصور الشعرية واستهلاكها تبرز كخطر يهدد شخصية الشاعر بالاضمحلال أو الذوبان في الشخصية الشعرية لغيره من الشعراء إذ المطلوب دائما ً هو الإتيان بالجديد والمتفرد من قبل كل شاعر وهذا لا يتحقق للشاعر إلا بمزيد من الصقل للحس الجمالي عند الشاعر ...لكن عملية الصقل نفسها والتي تعتمد بالدرجة الأولى على تثقيف الشاعر نفسًه بالقراءات الدؤوبة لأعمال غيره من الشعراء هذه العملية نفسها قد ترسم إطارا لأبعاد الحس الجمالي عند شاعر ما عندما يقع تحت تأثير أحد الشعراء الأقوياء مما يجعله ودون انتباه منه يعكس خصائص ذلك الشاعر القوي في حسه الجمالي

    وعليه فإن هذا الكتاب موجه لمن يهتمون بالشكل الشعري أو يصبون إليه. ويخاطب تلك الأقلية التي تتذوق كيف تشيد تناغماته المعقدة على الورق نطقا وصمتا ما يعجز عنه الصوت الحي من " وري زناد الكلام " وهو هدف جليل ولكنه في الواقع صعب ومحدود. ليس نظم الشعر مقتصرا على مادة المصطلحات، وليس طبيعيا على الإطلاق ، ولا ينبغي أن يحكم عليه بمعايير التعامل اليومي. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإيغال في النأي عن المألوف تجعله متكلّفا ممجوجا. ولكن ذلك ليس حجة لتأسيس الشعر على قاعدة لغة النثر.


    ترجع الآداب والفنون دوما إلى آمال منابعها وهذا ما صرح به بن جونسون قائلا :" المُتَطلّب الثالث في شاعرنا أو مبدعنا هو التقليد وذلك بطبيعة الحال بعد القريحة والتمرين " من أجل التمكن من تمثّل أو هضم إبداع غيره ومن ثم إنتاجه بطابعة الشخصي. لا أعرف يفضي إلى خزائن الحروف أكثر من دراسة كتابات الأولين، ولا يعني ذلك الوقوع تحت هيمنتهم، ولا استمداد المصداقية منهم. فهم قد شرّعوا لنا الأبواب وسلكوا الدروب قبلنا كمرشدين لا كقادة.


    أستاذي الفاضل العالِم المبدع خشان

    تشرفت بحضوركم الكريم وبقراءتكم لهذه المقالة . وقد كتبتها منذ أربع سنوات على الأقل ، والموضوع فيها كان ومازال يشغلني وهو يستحق بحثا أعمق وأشمل وأدق مما تطرقت إليه هنا . وما زالت أرغب بمتابعته واستكماله.
    وأما ما لفتم إليه الانتباه من التقاطع بين طرح Colin Holocombe في كتابه (الدليل العملي لنظم الشعر ) وبين نصي هذا فيفرضه ويتيحه التفكير في المسألة ذاتها . إذ أن سلسلة الأفكار التي تنصب في اتجاه معين يجذب بعضُها بعضَها الآخر. وكل من يتتبعها ستعترضه التفاصيل نفسها والملاحظات نفسها في ذلك الاتجاه من التفكير والتأمل .
    وقد سررت حقا بهذه التقاطعات التي تدفعني لقراءة الكتاب كاملا ، عندما يتاح لي بعض الوقت .

    فلكم جزيل الشكر على جهدكم في الترجمة ، وجزاكم الله خيرا ونفع الأمة بعلمكم

    تقديري واحترامي و أطيب تحية

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
الاتصال بنا
يمكن الاتصال بنا عن طريق الوسائل المكتوبة بالاسفل
Email : email
SMS : 0000000
جميع ما ينشر فى المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأى القائمين عليه وانما يعبر عن وجهة نظر كاتبه فقط