النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: عن الأدب والحياة - كلمات للأدباء الشباب -

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2004
    المشاركات
    578

    عن الأدب والحياة - كلمات للأدباء الشباب -

    أنقل لكم هنا مقالا للأستاذ محمد الشاويش وهو أديب و ناقد ومفكر من الطراز الرفيع
    وهو أحد الأساتذة الذين أسعدني الحظ بمعرفتهم فتعلمت منهم الكثير فجزاهم الله خير الجزاء.


    عن الكتابة والحياة – كلمات للشباب

    أولاً:انبثاق الأدب من الكلام العادي:

    الكلام العادي المتداول ليس بعد أدباً وإن كان يحتوي في كثير من الحالات على عناصر من الأدب..
    فما الذي يحول الكلام العادي إلى أدب ؟إنه سؤال أثار نقاشات لها أول وليس لها آخر ولكن قد يكون من العملي بالنسبة للأديب الشاب أن يتبنى - مؤقتاً على الأقل -الإجابة التالية:ما يحول الكلام العادي إلى أدب هو إدخال "الشكل الأدبي"على هذا الكلام..
    ولأضرب مثالاً بسيطاً:كلامنا العادي هو كلام بالعامية والزجل هو كلام بالعامية فكيف نميز الشخص حين يكف عن الحديث العادي ويبدأ يقول الزجل-وهو أدب مكتوب بالعامية-؟ نميزه حين يبدأ باستعمال القوافي والأوزان فهو لم يترك الكلام يجري على عواهنه بل "نظمه" بقاعدة معينة هي تقسيمه إلى "أبيات" كل "بيت" منها مؤلف من شطرين وكل شطر له وزن يتكرر ثم مع الوزن ثمة نظام للقافية..وما إلى ذلك..
    وهذه القاعدة هي "الشكل الأدبي"..
    · ومن هنا أحب للشاب الذي يكتب خواطر ثم يريد أن ينسبها إلى الشعر أن يفكر:هل خرج هذا الكلام بالفعل من نطاق الكلام العادي؟وهو السؤال عن "الشكل". وهو بالمناسبة في الشعر لا يقتصر طبعاً على الوزن والقافية.
    ولست هنا مع التيار الذي يريد أن يفرض شكلاً معيناً للنصوص التي "يقبل" أن يشرفها بشهادته أنها شعر.
    الشعر عندي هو ما تعارفت البشرية عليه أنه شعر لحد الآن والأغلب فيما تعارف عليه الناس أنه شعر أنه تميزه الأوزان والقوافي .ولكن اجتهادات التيار الحداثي لا ألغيها أيضاً.

    ثانياً:في التقييم:

    · التقييم الذاتي:

    يا لها من مسألة عويصة:هل يمكن للشخص أن يقيم نفسه:أي يقيم أعماله ومن وراء هذا التقييم يقيم إمكانياته الحالية-في نقطة زمنية معينة لأن الإمكانيات هي بجانب منها على الأقل مهارات تتغير مع تقدم العمر والخبرة في الحياة وفي حرفة الأدب-؟.
    والذي أراه أن مشكلة التقييم الذاتي مطروحة في حالة البشر كلهم ولكنها مطروحة بحدة أكبر في حالة اليافع الداخل حديثاً مضمار المساهمة في ساحة التداول الأدبي.
    والذي رأيته بالتجربة أن الشباب يخطئ في تقييم ما يكتبه لأن التقييم على وجه العموم مهارة لا تكتسب إلا مع الزمن وكثرة ممارسة التلقي والإبداع أيضاً ولكنني أطلب من الشباب أن يمارس شيئاً من التقييم الموضوعي المستند إلى بعض الأسس العامة من نوع الأساس الذي ذكرته أولاً:هل خرج النص الذي نكتبه عن الكلام العادي لتصبح له قيمة أدبية معينة؟

    · تقييم الآخرين:

    من المفيد جداً أن نستمع لتقييم الآخرين لما نكتب على شرط أن يكون هؤلاء الآخرون من غير المغرضين وأعني بالمغرضين من يهمهم التجريح لعقدة نفسية أو سبب شخصي وعلى أن لا يكونوا من الذين يهمهم النقد للنقد وكفى.
    والشرط الثاني أن لا نؤمن لا بعصمتنا من الخطأ ولا بعصمة نقادنا..
    قال أحدهم لأبي حية وهو ينشد:أهذا شعر؟فقال له: والله ما في شعري عيب إلا أنك تسمعه!
    وخير المقيّمين هو من استطاع أن يقدم لوجهة نظره تفسيراً موضوعياً ولم يكتف بالذوق المجرد لأنه لا برهان عليه وهو يختلف بل يتناقض بين شخص وآخر.
    ومن أسباب الخطأ في التقييم:
    - الغفلة عن المحسنات الجمالية المرجعية بسب الجهل بها أو عدم الانتباه:مثلاً
    ليس كل واحد يفهم النكتة التي تشير إلى حادثة معينة فمن الناس من لا يعرف هذه الحادثة ومن أمثلة النكات التي قرأتها عند فرويد أن حفلة أقيمت لتأسيس شركة مشتركة لاثنين من الأغنياء وفي الحفلة كان ثمة لوحتان تصوران الرجلين معلقتان جنباً إلى جنب وحين اقتيد فنان كان حاضراً ليرى اللوحتين مد رأسه في الفراغ بين اللوحتين ودقق النظر وقال:أين المسيح؟
    وقوله هذا لا نكتة فيه لمن لا يعلم القصة المأثورة عند المسيحيين من أن المسيح صلب بين لصين! ونحن المسلمين كما هو معلوم نؤمن أنه عليه السلام لم يصلب.
    وهكذا قد يتعب الشاعر نفسه في إيجاد اقتباس ناجح من قول مأثور ثم لا يدرك المتلقي هذا المحسن البديعي المرجعي لأنه لا يعرف ببساطة القول.
    وليس كل الناس يتذوق الأوزان..وهكذا قيسوا فالتذوق يتضمن أيضاً عنصر الخبرة بأشياء عديدة عند المتلقي.
    - ومن أسباب الخطأ في التقييم سوء القراءة وقلة التركيز التي تجعل المتلقي لا يلاحظ بعض العناصر الشكلية أو المضمونية في العمل الأدبي أو الفني عموماً.
    - وثمة سبب عام يجب أن يجعلنا نتوقع الخطأ في التقييم وهو حين يكون النص لا يخاطب إشكالية مطروحة عند المتلقي أي حين يكون النص لا يقدم إجابة على أسئلته إذ كثيراً ما نكون نبحث عن أجوبة على أسئلة عندنا تتعلق بالمضمون أو بالشكل ولا نتفاعل مع النصوص التي تحركها أسئلة أخرى..

    ثالثاً: مسألة استدماج الشكل الفني:

    هي مسألة نفسية عقلية:هل "استبطن" الشاب الشكل الفني تماماً بحيث صار يستطيع أن "ينسج على منواله"؟
    هذا الشكل الذي نتكلم عن "استدماجه" يتألف من الطريقة التي تبنى فيها العناصر المكونة للعمل فالمعلقة الجاهلية كانت شكلاً فنياً يستدمجها الشاعر القادم حديثاً إلى عالم الشعرآنذاك وهذا الشكل يتألف مثلاً من:1- تقسيم القصيدة إلى أجزاء لها إيقاع معين متكرر تفصل بينها الكلمات التي تتكرر فيها حروف بترتيب معين(الأبيات ووزنها وقافيتها )
    2-البدء بوصف الطلول والرسوم الدارسة وارتحال الأحباب..
    3-ثم الانتقال إلى أغراض أخرى.
    والشكل يتكون من مكونات كبرى كل مكون منها يتألف بدوره من تشكيلة من المكونات الصغرى المحتملة يختار الشاعر بينها ولكنه لا يخرج عن مجموعة البدائل التي تؤلف بمجملها ما يمكن أن يكون عليه شكل المعلقة..
    وكما نرى فإن الشكل هو ترتيب محدد لعناصر لفظية ومعنوية وهذا التعريف العام ينطبق على كل عمل أدبي وفني..
    ومن المفيد أن نؤكد هنا أن "استدماج" الشكل لا يتم مهما كانت موهبة الشاعر بغير قراءة أو حفظ عدد كبير من الأعمال من نوع أدبي أو فني معين لكي تستطيع الذاكرة اللاشعورية أن تستخلص المكونات العامة وهذه العملية هي بالذات ما دعوته "استدماج الشكل" وسأذكر هنا مثالاً مفيداً قد لا يخطر على بالكم:حين ترون قطة فإنكم فوراً تقولون:هذه قطة! فكيف عرفتم ذلك؟لا شك أن في هذه المعرفة خلاصة تجربة طويلة استخلصت فيها الذاكرة من عشرات القطط المرئية العناصر المشتركة بين شكل القطط و"استدمجت" هذا الشكل..والرسام الآن حين يرسم قطة فهو يستعمل هذا الشكل العام المستدمج في الذاكرة وكذلك الشاعر الذي يكتب قصيدة فهو أيضاً يحاول أن ينتج من جديد قصيدة عامة موجودة في ذاكرته ولكن مهمته تتجاوز مجرد تقليد الشكل العام المستدمج إلى التوفيق بين الأفكار التي يقولها والشكل الموجود عنده..
    واستدماج الشكل هو مجرد شرط للبدء في إنتاج الشعر أما الإنتاج نفسه فمسأله أخرى ولكن لا شعر بلا استدماج للشكل الشعري وكذلك لا قصة بدون استدماج لشكل القصة وهكذا..
    هل تذكرون نصيحة أستاذ أبي نواس له بأن يحفظ خمسة آلاف بيت ثم ينساها وبعدها يقول الشعر:إن معناها هو أنه بالحفظ والنسيان يكون استدمج الشكل..
    ولكل أديب شكل مميز والمبتدئ كثيراً ما يعجب بأديب متقدم فينسج على منواله وهذا أمر طبيعي لا عيب فيه..
    وقد يقال:ألا يحتمل أن يبدع الشاعر على غير مثال سابق؟ والذي أراه أن التجربة تثبت أن الشعراء مهما بلغوا من القدرات الإبداعية بدؤوا بالكتابة وفق النماذج الموجودة ثم يأتي إبداع أشكال ومضامين جديدة فيما بعد البداية..

    رابعاً:تطور الكتابة وتطور القراءة:

    باستثناء الدراسة الإجبارية في المدارس والمعاهد والجامعات تبدأ القراءة عادة كهواية ويختار القارئ ما يروق له ويلبي حاجات نفسية معينة عنده..
    وثمة تطور داخلي هو الذي يقودنا من قراءة إلى أخرى فقد تتغير ظروفنا وحاجاتنا مما يدفعنا لتغيير اتجاه قراءتنا وقد تطرح القراءة نفسها أسئلة تقود إلى البحث عن أجوبتها في قراءات أخرى وهذا التطور الداخلي العضوي هو في رأيي الذي يكون مفيداً حقاً وأصعب على النسيان وأقرب إلى أن يخلق الأديب والمفكر..
    أما القراءة لأسباب خارجية مثل السبب الاستعراضي:نقرأ لنحفظ بعض المعلومات لنبهر بها الآخرين ونجلب احترامهم "بسعة اطلاعنا" فهي قراءة لا مستقبل لها ولا تنتج عنها إلا معلومات مفككة لا استعمال لها ونسيانها سريع..
    وكذلك تتطور الكتابة مع التطور الداخلي للأسئلة التي يريد الكاتب أن يجيب عليها وللرسائل التي يريد أن يوصلها للناس ولا تتطور الكتابة أيضاً إذا كانت مسوقة باعتبارات خارجية صرفية غير نابعة من الداخل ولا تنتج هذه الاعتبارات إلا كتابة لا روح فيها..

    خامساً:الإيجاد التدريجي للموضع الذي نبدع فيه:

    كثيرون لا يعرفون أن طه حسين نظم الشعر في بداية حياته وألقاه في المهرجانات وظن نفسه شاعراً وهو يصف لاحقاً كيف أنه انصرف عن الشعر وأدرك أنه لا غرض له فيه..ولكنه وجد المجال الذي يستطيع أن يبدع فيه وكذلك على الأديب الشاب أن يعلم أنه مار إن شاء الله بأطوار عديدة ومنته إلى مجالات قد لا تخطر له في البداية على بال..
    والإخفاق في مجال لا يعني نهاية العالم فالذات لا تجد المكان الذي تبدع فيه منذ البداية بالضرورة فقط علينا أن نكون صبورين ونعطي أنفسنا الفرصة والوقت للتأمل بما جرى والأغلب أن نكتشف بعد زوال صدمة الإخفاق أن ما حسبناه كارثة لم يكن أكثر من حدث عابر لا قيمة له أو من السهل تجاوزه أو من الممكن التعايش معه بلا صعوبة..

    ملاحظة لغوية:
    أستعمل فعل "قيم يقيم تقييماً" للتمييز عن فعل "قوم يقوم تقويماً" وأقترح استعمال الأول بمعنى إعطاء القيمة والثاني بمعنى جعل الشيء قويماً. وأطرح هذا الاجتهاد لأننا في اللغة الحديثة نحتاج للفعل الأول ولا نكتفي باستعمال "التقويم" الذي هو قد يختلط بمعنى جعل الشيء قويماً بعد أن كان معوجاً.
    ===============
    الأصدقاء أوطانٌ صغيرة
    ===============


    إنْ عـُــلـّبَ المــجـْــدُ في صفـراءَ قـدْ بليتْ
    غــــدًا ســنـلـبســهُ ثـوبـًا مِـــنَ الذهـــــبِ

    إنـّي لأنـظـرُ للأيـّام أرقــــــــــــــــــبـهـَــا
    فألمــح اليـسـْــــرَ يأتي مـنْ لظـى الكـُـرَبِ


    مــــــــدونـتـي
    http://mooooo555.maktoobblog.com/

  2. #2
    زائر
    شكرا أخي الصمصام

    أستاذك وأستاذي محمد الشاويش رجل ينبغي أن يكرم ويعرف قدره.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2004
    المشاركات
    578
    نعم
    أستاذنا محمد رجل يجب أن يعرف قدره ويكرم

    ولا ننسى أنك لا تقل عنه قدرا وعلما

    فأنتما من أهل العلم والفضل

    جزاكما الله كل خير
    ===============
    الأصدقاء أوطانٌ صغيرة
    ===============


    إنْ عـُــلـّبَ المــجـْــدُ في صفـراءَ قـدْ بليتْ
    غــــدًا ســنـلـبســهُ ثـوبـًا مِـــنَ الذهـــــبِ

    إنـّي لأنـظـرُ للأيـّام أرقــــــــــــــــــبـهـَــا
    فألمــح اليـسـْــــرَ يأتي مـنْ لظـى الكـُـرَبِ


    مــــــــدونـتـي
    http://mooooo555.maktoobblog.com/

  4. #4
    زائر
    نحن هنا قوم أخوة لا أستذة ولا يحزنون.
    لكما ود قديم معروف وأتمنى أن ننجز شيئاً مفيداً في هذه الصفحة مع بقية المشاركين الكرام.
    أخجلتماني وحمرتما خدودي خجلاً حتى أنكرتني زوجتينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
الاتصال بنا
يمكن الاتصال بنا عن طريق الوسائل المكتوبة بالاسفل
Email : email
SMS : 0000000
جميع ما ينشر فى المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأى القائمين عليه وانما يعبر عن وجهة نظر كاتبه فقط