العـداء للسـاميـة والعـداء لـلانسـانيـة

الياس معلوف - جريدة النهار البيروتية



كتب اللواء الركن المتقاعد ياسين سويد في صحيفة "النهار" الصادرة في 28 آذار 2005 مقالا قيّما تحت عنوان: "قاموس وبستر: اساءات للعرب والمسلمين". لقد اعاد اللواء سويد الى ذهني مشكورا، التعريف المغلوط عن اللبننة في معجم لاروس الفرنسي، وعدم إتيانه على ذكر القرار 425 الصادر عن الامم المتحدة والقاضي بانسحاب اسرائيل الفوري من لبنان، والذي لم يحصل الا بعد مرور عشرات السنين، وذلك بفضل المقاومة وسلاحها النظيف عام 2000. لقد قمت بمبادرة شخصية عام 1998 وبقدرات محدودة، وكنت يومها امينا عاما لاتحاد منظمات اطباء الاسنان العرب، تتلخص بسلسلة مراسلات اعتراضية مع الادارة المسؤولة عن القاموس الفرنسي، أتت ثمارها بعد سنة كاملة من الجهد المتواصل، والتهديد باللجوء الى القضاء الفرنسي، لإحلال الحق ومنع التجني على لبنان، والتشويه المتعمد للحقائق، والانحياز الاعمى للدولة العبرية. واقولها اليوم وبكل مرارة، بعد مضي سبع سنوات، ان الدولة اللبنانية لم تتبّن الصراع القائم بين مواطن لبناني ومؤسسة ثقافية اجنبية الا بشكل خجول وخجول جدا، وتعرضت يومها للانتقاد من بعض رجال الاعلام اللبنانيين الذين لم يروا في حملتي سوى بصمات "دون كيشوتية" لا جدوى منها. ولكن كلمة حق تقال، ان باقي وسائل الاعلام اللبنانية والعربية والفرنسية، على سبيل المثال لا الحصر اهتمت للأمر وساهمت في تغيير المعلومات المغلوطة والمضلّلة.

يقول اللواء الركن سويد ان قاموس وبستر في طبعتيه الثانية والثالثة يعرف باللاسامية على انها "العداء لليهود كأقلية دينية وعرقية، والعداء للصهيونية، والتعاطف مع اعداء دولة اسرائيل". واللافت في الحملة التضليلية التي يقوم بها الصهاينة على كل الاصعدة محاولة تزوير الحقائق التاريخية، والاستئثار بالسامية عبر النشرات والموسوعات العالمية، في ظلام الغيبوبة العربية. وفي الوقت نفسه، يطلّ علينا عبر قاموس وبستر تعريف عنصري، تحريضي، عدواني للعربي" المتشرد، المنحرف، المتسكع، المتسوّل، الغبي والفوضوي"، وللاسلام على انه يعني "العداء للسامية والدين اليهودي" بعدما كثرت في الغرب التحريضات والاساءات نحو العرب والمسلمين ودين الوسطية والاعتدال. على اثر هذا التصرف المشين، قام احمد العودات، المفوض العام في المكتب الرئيسي لمقاطعة اسرائيل، التابع للأمانة العامة للجامعة العربية، بالاتصال بالشركة المسؤولة عن نشر القاموس والاعتراض على ما ورد فيه، فما كان من احد المسؤولين عن المعجم الا المبادرة بالرد قائلا بكل تهكم: "نتوقع ان نحل هذا الموضوع عندما يتم اصدار الطبعة الجديدة خلال السنوات العشر المقبلة". ولهذا المسؤول الحق في هذا الرد، على ممثل "مكتب مقاطعة اسرائيل"، والدول العربية بأكثريتها باتت تقيم العلاقات مع الدولة العبرية.

اشتقت كلمة السامية من سام بن نوح، ويشكل العبرانيون الشعب السامي الرابع بعد الاموريين والكنعانيين والآراميين. ان اولاد سام هم الذين عاشوا في شبه الجزيرة العربية كما اشارت الكتابات المسمارية الأولى، والمصرية، والفينيقية، فضلا عما ورد في الانجيل، وما تناقله علماء الآثار، من ان اجداد العرب وشعوب الكنعانيين عاشوا في هذه الارض ثمانية الى عشرة آلاف عام قبل الميلاد، من العصر الحجري الحديث حين تأسست مدينة أريحا، الى العصر النحاسي، حيث كانت القبائل السامية فضلا عن المصريين والهيكسوس منتشرة على الارض الكنعانية الممتدة من فلسطين وسوريا حتى الاردن. وفي العهد البرونزي ما بين 1550 و1200 ق.م. كان المصريون في ارض كنعان يؤيدون الملك عبد خيبا في مقاومة غزوات القبائل العبرانية.

ان مؤرخين ومفكرين يهودا من امثال الحاخام دايفيد وايس، ونورمان فيلكنشتاين واوري افنيري وروي فين موسكوفيتش وغيرهم من امة موسى، يعترفون بكون جزيرة العرب مهد الجنس السامي رغم تزوير التاريخ والحقائق. يقول جورج برنارد شو: "إن التاريخ هو أكذب الرواة"، تصديقا لمحاولات بناء الأساطيرالملفقة والكاذبة، كما يقول اسرائيل شاحاك وديفيد غروسمان واموس عوز وتوم سيغييف والبروفسور موشي ماخوفر وهنا براون وغيرهم من الذين انكبّوا على فضح التزوير الصهيوني والدفاع عن الحق العربي. لقد ورد في الآية الكريمة: "ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون".

عودة الى قاموس وبستر وتعريفه للعداء السامية:

اولا "العداء لليهود كأقلية دينية وعرقية": والسؤال الاهم يبقى: من يكن العداء لليهود؟ هل هم اطفال المجازر الذين قتلوا برصاص الجنود الاسرائيليين وهم يهددون دبابات الميركافا بالحجارة؟ هل هم ضحايا محرقة قانا التي جرت في احضان الامم المتحدة؟ هل هم شهداء جنتا، اي امينة واطفالها الستة الذين انتظروا مدفع رمضان ليقوموا للافطار، فحصدتهم مدافع الطائرات الحربية الاسرائيلية في منزلهم الآمن في البقاع؟ هل هم ضحايا صبرا وشاتيلا ام ضحايا دير ياسين وكفرقاسم؟ هل هم سكان540 قرية وبلدة دمرت فوق رؤوس اهلها في نكبة فلسطين؟ هل هم المؤمنون الوافدون الى 1200 مسجد وعشرات الكنائس الذين هدموا لمنع المصّلين من التواصل مع الله، بعد تحويل مراكز العبادة الى ركام او الى متاجر وحتى زرائب؟ من يكنّ العداء لليهود؟ هل هم الضحايا العرب؟ يقول الباحث الاسرائيلي آري شيريابي في دراسة قام بها عام 2000، ان حقد الاسرائيليين وكرههم للعرب متأصلة فيهم منذ الصغر، وذلك عائد الى التربية الحاقدة، اذ بيّنت الرسائل التي كبتها اطفال اسرائيليون وعددها 84 الى اطفال فلسطينيين هذه العقدة المستفحلة في المجتمع الاسرائيلي، اذ ورد في هذه الرسائل الامثلة التالية: "اريد ان اشرب من دمك حين أراك"، أو "شارون سيقتلكم جميعا"، او "لماذا نبدو بمظهر حسن وجميل، وانتم بشعون ولكم رائحة؟" هل هم العرب الذين يناصبون اليهود العداء، هؤلاء العرب الذين وصفهم رافاييل ايتان بـ"الصراصير"؟ وفي المقابل ماذا فعلنا نحن الضحايا العرب ازاء كل هذين التجني والتعديّّ ؟ هل تابعنا محرقة قانا او غيرها في المحافل الدولية؟ هل طالبنا بالعويضات من جراء احتلال أجزاء السنين وسرقة الآثار والمياه وتدمير المدن والقرى، وتحطيم البنى التحتية، وقتل الأبرياء؟ لماذا لا نتعلم من المنظمات اليهودية التي طالبت وحصلت من الصناعة الالمانية على تعويضات عن اعمال السخرة ايام النازية؟ لماذا لا نتعلم من المنظمات اليهودية التي حصلت على مليار و200 مليون دولار من شركات عالمية مثل شركة نستله؟ هذا وقد أقرّ القاضي الاميركي ادوارد كورمان التسوية التي توصل اليها مصرف UBS ومجموعات CREDIT SUISSE، مع المجموعات اليهودية التي وصلت بها الوقاحة الى حد المطالبة بالتاج البريطاني، لانه يخصّ حسب زعمها احدى العوائل اليهودية. الم يقل الامام علي بن أبي طالب: “ما ضاع حق وراءه مطالب". فهل طالبنا؟

ثانيا: "العداء للصهيونية": ان الصهيونية حركة دينية سياسية عدوانية، توسعية، تلبست ثوب الدين، واستخدمت الله والأنبياء لتنفيذ اغراضها الدنيئة، والتي تستند عليه في ما تدّعيه من حق في هذا الجزء من الوطن العربي. لقد ابتدع الصهاينة فكرة "الوعد الالهي" و"شعب الله المختار"، واقاموها على دعامتين اساسيتين ارتكزت عليهما دولة اسرائيل في القرن العاشر قبل الميلاد وفي القرن العشرين بعده، اي نشر الذعر في النفوس عبر الابادة الجماعية، واخلاء الارض من سكانها الأصليين عبر الاضطهاد والتنكيل والتهجير. ان العداء للصهيونية انطلق عن حق من خلال القانون رقم 3379 الصادر عام 1975 عن الامم المتحدة والذي اعتبر الصهيونية حركة عنصرية. ولكن اكبر مرجع دولي عاد عن قراره وللمرة الاولى في تاريخه عام 1993، تحت وطأة ضغط اللوبي الصهيوني. يقول ايلان جرايلز امار: "استعمل المؤرخون الصهاينة جميع الوسائل لكي يغلفوا الماضي الاسرائيلي بغطاء اسطوري وميتولوجي، وهو غطاء كاذب، وقادة طلائع الصهاينة الذين احتلوا الأرض الارض العربية لم يكونوا ابطالا كما حاولوا تصويرهم، بل قتلة استعماريين عنصريين، وسفّاكي دماء ومجرمين". وفي 26 ايار عام 2000 كتب ماتيو ليفن مقالا في صحيفة EVENING STANDARD اللندنية تحت عنوان: "لماذا اشعر بالخجل لكوني صهيونيا سابقا؟ قال فيه: "أشعر بالخجل لأن دولة ولدت جزئيا خلال المحرقة، تستمر في قتل مدنيين ابرياء بالقنابل والمتفجرات، وقد دينت مرات عديدة في "منظمة العفو الدولية" لقيامها بتعذيب سجناء واساءة معاملتهم، كما لو أن المحرقة او الهولوكوست منحت اليهود مناعة ضد اتهامهم بالوحشية والتعصّب والاذى والظلم". لقد نجحت اسرائيل الى حد بعيد في تقديم نفسها للعالم على انها دولة ديموقراطية، في حين انها دولة قمعية، قائمة على عنصرية بغيضة، لا مكان فيها لأي نَفَس ديموقراطي. وفي هذا السياق، ندّدت "منظمة العفو الدولية" و"هيومان رايتس ووتش" والاتحاد الدولي لحقوق الانسان" ومنظمات اسرائيلية بلجوء الدولة الصهيونية الى التعذيب والاعتقال الاداري العشوائي، واعتبر المدير التنفيذي "للجنة حقوق الانسان" ان التقرير الاسرائيلي الذي قدمه رئيس الوفد جوشوا شوفمان عام 1998 في جنيف عن سياسات بلاده في مجال الحريات والحقوق الاساسية امام "لجنة حقوق الانسان" التابعة للامم المتحدة مليء بالاضاليل. وقاطعت واشنطن وتل ابيب مؤتمر دوربان لاتهام اسرائيل بالعنصرية وارتكاب جرائم ضد الانسانية، والابادة الجماعية والتطهير العرقي على اثر بيان وقعته 3 آلاف منظمة غير حكومية، لأن ذلك حسب واشنطن "يتناقض مع الصراع الصهيوني الذي يمثل فكرا سياسيا حضاريا، يحمل في طياته ملامح انسانية نبيلة لا علاقة لها بالعنصرية ولا صلة تربطها بانتهاك حقوق الانسان". والعنصرية الصهيونية تمارس كل الموبقات عن طريق التمييز بين الناس بسبب الجنس والدين واللون واللغة والعرق.

ثالثا: التعاطف مع اعداء دولة اسرائيل". من هم اعداء دولة اسرائيل؟ إن اعداء الدولة العبرية هم المستوطنون المتطرفون من امثال غيرشون سلومون رئيس جماعة "امناء الهيكل" الذي يدعو الى وضع حجر الاساس لما يسمى بهيكل سليمان في باحات المسجد الاقصى المبارك، والحاخام الاكبر للجيش الاسرائيلي المتطرف شلومو كورين الذي طالب عام 1967 بهدم قبة الصخرة، وجماعة كاهان، وباروخ غولدشتاين الذي قتل 29 مسلما اثناء تأديتهم للصلاة عام 1995، وريتشي لوري الذي اقترح ضرب مكة المكرمة بقنبلة نووية، وقادة اسرائيل من تيودور هرتزل الى بن غوريون وغولدا مائير وصولا الى صموئيل شينرمان الذي يعني باللغة العبرية "الرجل الجميل" والذي ما هو الا ارييل شارون "بطل" صبرا وشاتيلا. ان الفوقية والاضطهاد والاحتلال والعنصرية هم اعداء دولة اسرائيل. الرئيس السابق لجهاز الشاباك عامي ايلان يحذر بلاده من "المعاملة السيئة للعرب التي تعمّق الكراهية والاحقاد، وان النظام الاسرائيلي ينطوي على ممارسات لاديموقراطية تصل الى حد العنصرية العرقية". من ناحيته يقول السوسيولوجي الاسرائيلي داني رابينوفيتز عن صحيفة هآرتس بتاريخ 17/10/2000: "على مواطني اسرائيل الاقرار بأن دولتهم قامت على حساب شعب آخر، ويتوجب على الحكومة الاسرائيلية اقامة النصب التذكارية الى 400 قرية فلسطينية تمّ تدميرها من اليهود عام 1948”. والجدير بالذكر ان "الاعلان العالمي لحقوق الانسان" انطلق في السنة نفسها من قصر شايو في باريس، على أيدي اليونور روزفلت وشارل مالك ورينيه كاسان.

ان الصراع العربي الاسرائيلي ليس وليد وعد بلفور، بل تعود جذوره الى آلاف السنين قبل الميلاد، والعقدة اليهودية كما يقول YEHOSHUA SOBOL “ورثها اليهود من جراء عيشهم في الغيتو اليهودي، مما ولد نظرة سلبية نحو الآخر، نظرة الاقلية المهددة من قبل الاكثرية". لقد حان الوقت لنزع الاقنعة عن الوجوه التي أدمنت الخداع، واحترفت القتل والتشريد والاحتلال، تحت ستار معاداة السامية، كما يقول الكاتب الاميركي الشجاع تشارلي رايس: "ان جبننا ورفضنا قول الحقيقة، وخوفنا من تهمة معاداة السامية، وهو الوصف الاكره بالنسبة الى صحافي، تعني اننا نتغاضى عن الحقيقة، ونساعد على القيام بأعمال ارهابية". المؤرخ البريطاني دايفيد ايرفينغ من ناحيته لا يرى فرقا كبيرا بين الاسرائيليين والنازيين، مستشهدا بما قاله الدكتور صموئيل جونسون: "حجة العداء للسامية هي الملجأ الأخير للقذارة اليهودية". ان العرب مسلمين ومسيحيين بعيدون كل البعد عن الحقد والعنف والظلم، لانها تتناقض مع عقيدتهم ومعتقدهم، ولو حاول القيمون على قاموس وبستر التعريف عن "العداء للانسانية" لوجدوا كل المراجع في الممارسات الاسرائيلية القمعية اليومية الشنيعة، ولعل السيد حسن نصرالله لخّص الموضوع بكلمة ألقاها في مجمع "سيد الشهداء": "غم كل ما حصل، نحن لا نريد ان نقتل احدا، ولسنا هواة سفك دماء. دعوا شعوب المنطقة تعيش في أمن وسلام وكرامة، هذا هو مشروع المقاومة وليس هو مشروع حرب". فهل من سميع؟



نقيب أطباء الأسنان في لبنان.