النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: كيف يكتب شعراؤنا شعرهم؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    1,124

    كيف يكتب شعراؤنا شعرهم؟

    كيف يكتب شعراؤنا شعرهم؟ /حبيب مونسي/اكاديمي ومثقف جزائري
    *********
    لماذا جنت الحداثة على الإنشاد... ذلك الفن الذي يُمَسْرِحُ القصيدة..

    قال الشاعر المجدوب العرباوي ما نصهنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيإن ما كُتِبَ في بحر واحد عند العرب عبر كل ّ هذه القرون جعلنا نتعرف على كل ّ أنواع التوزّيع الموسيقي داخل النصوص في إطار هذا البحر فقط والسؤال الذي يطرح نفسه : ألم نصبح حبيسي أجراس موسيقية بالتقادم لنظن ّ في الأخير أن ّ هذا هو الشّعر؟ ) حين نسمع هذا القول من شاعر متمكن في القصيدة (العمودية)نتوقف لنسأل أنفسنا هذا السؤال: كيف يكتب شعراؤنا شعرهم؟ هل يضع الشاعر أمامه مسطرته العروضية ثم ينشئ عليها البيت تلو البيت؟ إن فعل ذلك فليس بشاعر البتة، وإنما هو الناظم الذي يريد لقوله محاكاة الشعر. لأن القصيدة ستقوم بين يديه بيتا بيتا يستقل الواحد عن الآخر ويكتفي بالدلالة المغلقة فيه بفعل انغلاق الوزن. ساعتها تستطيع أن تقدم وتؤخر في أبيات قصيدته وأن تعبث بها كيف تشاء. إن من الأجدر أن يسأل الناس الشعراء المجيدون كيف يصنعون، وأن يتتبعوا أحوالهم عبر التاريخ ليجدوا أن الشاعر كان حين تساوره الفكرة يدندن.. أي يشغل مكينة الإيقاع في أذنيه عن طريق الدندنة والابتعاد عن الضوضاء، وإذا استقام له الإيطار الإيقاعي أفرغ فيه شحناته العاطفية على هيئة دفقات شعرية يتسع لها البيت،إن هي كانت قصيرة الوتيرة، أو تدور مع الثاني والثالث إن كانت وتيرتها أطول. حينها تتشكل القصيدة كما زخات المطر ذات شآبيب تقصر وتطول، تتكون منها مقاطع القصيدة. والوزن بع هذا مطاوعة لا تكون فيها القافية إلا ضربا من التنفس الذي نجده في الموسيقى على هيئات le soupire et le demi soupire لأن الوزن هو الضامن الذي يتيح للمنشد قدرا من الهواء يملأ صدره لستيعاب البيت إنشادا.. ولمنشد القصيدة أن يهدج فيها الإلقاء طرفا طرفا، كأن يتوقف عند فواصل البيت الواحد على هيئة:
    وليل..
    كموج البحر...
    أرخى سدوله..
    لأن الشاعر حين ينشد البيت يحترم الوتائر التي جعلت فيه ودلت عليها تقاسيم الصورة البلاغية من إفراد المشبه ثم الإتيان بالمشبه به ثم تتمة الفعل المرتبط بهما.. غير أن هناك وتائر قد تشتد وتطول وتجبر المنشد على إيصال البيت بأخيه لأن الشحنة العاطفية التي أنشأت المعنى تتخطى في دفقها حاجز البحر وتنداح وراءه إلى فضاء التردد في غيره، فيأتي المنشد على عدد من الأبيات دفعة واحدة يتلاحق فيها النفس من غير انقطاع. وترى الشاعر حين يفعل ذلك يرتفع منه الصوت ويشتد، وعندما تتقاصر الوتائر يتهدج الصوت ويخفت. إنها حالات الإلقاء وهي عينها حالات إبداع القصيدة، والشاعر لا يسأل نفسه أيكتب في الطويل أو البسيط.. إنما يسأل نفسه هل يناسب هذا الإيقاع الشحنة العاطفية التي تسكنه والتي تعتمل في صدره تحثا عن مخرج مناسب لها.
    وقد كتبت في (توترات الإبداع الشعري)ما نصه:
    ليست القصيدة ذلك "الشيء" الذي تبرزه الكتابة على صفحات الورق، وإنما القصيدة هي الهيئة التي يرفعها " الإنشاد " إلى المتلقي. لأننا إذا عدنا إلى المعاني التي يحملها اللفظ في معجميته القارة، لم نجد للكتابة من حضور يمكننا الارتكاز عليه في تقريرها. ولكننا على النقيض من ذلك نقف على التبيين الذي ينصرف إلى المتلقي الذي يتلقى الشعر، فيجد في الإنشاد كل الحركات التي تصاحب القول، وتضفي عليه من دلالتها، من المعاني ما تعجز الكتابة عن حمله. ذلك أن الإنشاد يرفع الحركة الجسدية، والتعابير التي ترتسم على القسمات، مرافقة لنبر اللغة من تشديد وتفخيم، وترقيق وهمس، ومد واقتضاب، ونفس وتنهد، وتأوه وترديد.. ففيه من الرضا، والغضب، وفيه من الحماس والطرب، وفيه الأريحية والانبساط، وفيه من الاهتزاز والطرب.. ما يجعل القصيدة حقلا تمثيليا يبتعد عن سكونية الكتابة التي تحاكي الموات، والتي لا يبعثها من بلاها إلا محاولة الجهر بالتلاوة.
    إنه السبب الذي صدف بنا عن اعتبار الكتابة قصيدة، ما دام المعنى الجمالي المرتبط بالقصيدة ينصرف إلى الاعتدال والاستقامة. وربما لذلك السبب أطلقوا على المرأة المعتدلة القوام لفظ قَصْدَة. غير أننا نجنح قليلا لاعتبار القصيدة، تلك الهيئة التي يكون فيها الإنشاد متناسبا طردا مع النص، في التماشي مع توتراته الداخلية التي يتجاوز توترها التقسيم الوزني، فاتحا الإنشاد على التدوير الرّابطِ البيتَ بأخيه دون انقطاع للصوت. أو يعمد إلى الشطر الواحد، فيجعله مقاطع موقعة، يتدافع فيها الصوت ليعلن عن أجزائها الداخلية. أو يلجأ إلى التكرار والترديد الذي تتقرر معه الحقائق التي يريد الشاعر غرسها في نفسية المتلقي.
    إن الإنشاد – وسنعود إليه قريبا- له من الحواس ما يجسّ النبض في الجمهور، وما يتلمس مواقع الكلمات في نفسه، وما يستحثه على المضي وراء الفكرة مدورا البيت على أخيه، وما يجبره على التوقف، والتصنت إلى لهاث الجمهور وراء ضجيج اللغة. فالقصيدة من هذا الباب ليس واحدة أبدا، وإنما تتجدد وتتنوع في كل إنشاد. تلبس ثوب الموقف حتى تصل إلى أعلى درجات التجانس بين توتراتها الخاصة، والتوترات الناشئة في المتلقين.. ذلك الشأن الذي سماه العرب من قبل بالطرب. لقد كان من شأن "البحتري" إذا أنشد وطرب أولا، أن يلتفت إلى سامعيه فيما يشبه الغضب، قائلا: ما لكم لا تعجبون ؟ وكأنه فيما أتى من حركات وتعابير، وما جاء به من معاني لا تليق به تلك الحالة الواجمة التي يواجهه بها المستمعون. ولن تفلح القصيدة في أن تكون قصيدة حقا، إلا إذا وجدت من إنشادها ما يجعلها تعطي معانيها التي رامتها ابتداء.
    إننا نجد في قول "ابن جني" ما يعزز فرضيتنا، حين جعل مادة (ق،ص،د) تستتبع عددا من المعاني، فيجد فيها: الاعتزام، والتوجه، والنهود، والنهوض نحو الشيء. وكأنه يستشعر في كل لفظ ما يقابله من الهيئات التي تقوم عليها العملية الإبداعية في شطرها الأول، من عزم، إلى توجه، إلى نهود، إلى نهوض... إذا كنا قد زعمنا أن القصيدة لن تسمى كذلك، إلا إذا رفعها الإنشاد إلى المتلقي، فلأننا نجد أن المكتوب لا يمكنه أن يتولى حمل المعاني التي تند عن الكتابة، ولا تجد هذه الأخيرة من حيلة تعالجها بها، حتى ولو تذرّعت بالإشارات التي تشبه علامات التجويد والتلاوة. ذلك أن الإنشاد يضيف إلى الصوت جملة من الهيئات التي تتعدى الحركة، إلى الزي، إلى ما تتلبسه القسمات من تعابير دالة، تضفي على الكلمات معاني هي في حاجة إليها إذا ما أرادت أن تكون أمينة في تبليغ مراد صاحبها. بل إن الحديث اليومي العادي، لن يستطيع الاستغناء عن التعابير التي ترتسم على المحيا مفصحة عن درجات التوتر التي تصاحب الكلمات. وليس أمامنا -ونحن نعالج أكثر الأقوال غنا، وأكثرها إيجازا- من الالتفات إلى حقيقة ما يصاحب الإنشاد من هيئات مختلفات.
    ذكر "أبو الفرج في أغانيه" أن "حسان بن ثابت" كان إذا أراد الهجاء لوَّث شاربه وعنفقته بالحناء دون سائر لحيته، فيبدو لأول وهلة وكأنه أسد والغ في الدم. وكأن الشاعر-على علو مكانته بين شعراء الجاهلية وصدر الإسلام- يريد أن يكون لمظهره المخيف، ما يُحمِّل الكلمات دلالة فوق دلالتها التي هي لها.. إنه يريدها أن تكون مسربلة بالدم، خارجة من فم يقطر دما.. إنها هيئة فيها من معاني الهجاء، ما يجعل المهجو فريسة تتبضّعها الكلمات، وتمزقها المعاني، وتريق دمها طرقات القوافي.. إن فيها من القتل ما يجعل الشعر سيفا مصلتا على رأس المهجو.. ولا نحسب أن حسانا كان بدعا من الشعراء في فعلته تلك. بل نرى أنها العادة التي كانت جارية في عرف الشعراء، لكل واحد منهم شارته الخاصة التي تميزه عن غيره، فتجعل حضوره على الهيئة التي اختار مثار خوف وتوجس.. ألم يكن الشاعر الجاهلي يأخذ المخصرة بيده، يتكئ على سيفه أو قوسه، وهو ينشد قصيدته.. بعضهم لا ينشد إلا وافقا.. بعضهم يتخير من الثياب أجملها، ومن المراكب أحسنها..
    إن أخبار الشعراء والخطباء في هذا الشأن كثيرة، تُحدث عن كل واحد منهم في هيئاته المختلفة مدحا وهجاء، استنفارا واستعطافا، تغزلا واستعفافا.. إن لهم من المواقف لَبُوسها الخاص. ولهم من التجارب مقاماتها الخاصة. ثم تأتي البلاغة بعد ذلك لتعزز الهيئة، ولتمنحها التكامل الذي يجعل الإنشاد هيئة متكاملة بين المعنى والقصيدة. لذلك إن عدنا إلى المعنى الذي حدده "ابن جني" لمادة قصد، وجدنا فيما ساق من ألفاظ تراتبا عجيبا، وكأن توارد الألفاظ لم يأت أشتاتا، وإنما خضع لنظام الأشياء ومنطقها الخاص. إنه يقول عنها: الاعتزام، والتوجه، والنهود، والنهوض. والاعتزام هو الرغبة في الشيء، التي تفتح للفكرة منافذ التغلغل في النفس، فينشأ فيها من القابلية ما يجعلها تتجه صوبها في حركة فيها من الارتقاء والنهود، ما يرفع الفكرة من مادتها الخام، ومثيرها الأولي، إلى شيء من صفاء الرؤية ووضوحها، وتحدد معالمها. الشيء الذي يكفل لها النهوض. والنهوض بالشيء إتمام له.
    إننا إزاء هذه المتتالية من الألفاظ لا نقف عند محض الترادف – والترادف منبوذ في عرف علماء اللغة- وإنما نقف إزاء وعي يدرك أن القصيدة ليست نصا وحسب، وإنما القصيدة هي كل ذلك مضافا إليه النهوض بها إنشادا. إنه الشطر الخطير الذي فقدناه من شعرنا العربي حين اختزلنا المفاهيم، وجعلنا القصيدة مكتوبا مهندسا خطيا، وأبعدنا من ساحتها جميع الحركات المصاحبة لها من تمثيل وصوت.. القصيدة تمثيل! ذلك حق.. يحتاج منا إلى مراجعة الموروث لإحياء علمه الذي وأدناه مع وأدنا للإنشادية. يكفي فقط أن نراقب "محمود درويش منشدا" حتى نعلم أن لا قيمة لشعره من دون صوته، وحركاته، وهيئته. والأغرب من ذلك أن الشعراء الذين يسايرون "درويشا" في نسق الكتابة الشعرية، يسايرونه –قبل ذلك- صوتا. وكأن السحر فيه، لا يتأتى من اللغة ملقاة جسدا على الورق، وإنما من اللغة ملقاة إنشادا على الأسماع المشرئبة نحوه. وهو الشطر الخطير في شعرنا الذي حاولت الحداثة طمسه في ادعائها أن الشعر اليوم يقرأ ولا يسمع.
    إنها مادة للنظر وسأعرض إن شاء الله طريقة في إنشاد القصيدة وأقترح رموزا يستهدي بها الإنشاد.

    المصدر
    http://www.altoobad.net/vb/showthrea...d=1#post107970

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,965
    أهمية الإنشاد حقيقة واضحة مستقرة. وكلمة إنشاد التي استعملها العرب دليل على ذلك.

    أثارت إعجابي قدرة الكاتب على استعراض هذه الحقيقة من عدة جوانب.

    شكرا لك أستاذتي .

  3. #3
    شكرا لك الشاعرة ريمة الخاني

    ويظل لكل منا تذوقه لما يقرأ


    .
    .

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
الاتصال بنا
يمكن الاتصال بنا عن طريق الوسائل المكتوبة بالاسفل
Email : email
SMS : 0000000
جميع ما ينشر فى المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأى القائمين عليه وانما يعبر عن وجهة نظر كاتبه فقط