النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: القصيدة الخرساء

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,954

    القصيدة الخرساء



    http://ahram.org.eg/archive/2008/12/7/WRIT2.HTM

    حجازي والقصيدة الخرساء
    بقلم : فاروق شوشة


    أخيرا أطلق الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي قنبلته الأدبية المدوية لهذا الموسم‏,‏ المتمثلة في كتابه الجديد قصيدة النثر أو القصيدة الخرساء الصادر ضمن مطبوعات مجلة دبي الثقافية عدد نوفمبر‏2008,‏ والشاعر الكبير يهدي كتابه إلي شعراء الأجيال القادمة علي اختلاف اجتهاداتهم ومراميهم‏,‏ بادئا بإعلان موقفه الواضح في أنه لا يعترض علي ما يكتب تحت هذا الاسم قصيدة النثر‏,‏ فالكتابة حق مكفول للجميع‏,‏ ولمن شاء أن يجرب ما شاء من صورها‏,‏ وأن يبحث عن الشعر في أي شكل‏,‏ وأن يخلط الشعر بالنثر والنثر بالشعر إذا أراد‏,‏ شريطة أن يتحلي بشيء من التواضع وسعة الصدر‏,‏ فيسلم بأن لنا حقا كحقه في أن نقرأ ما كتب‏,‏ وأن نناقشه فيه فنقبل منه ما نقبل ونرفض مانرفض‏.‏

    الكتاب يضم عددا من المقالات والدراسات والمداخلات نشرها شاعرنا الكبير من قبل‏,‏ وعندما جمعها بين دفتي أدي هذا إلي اكتمال الفكرة ووضوح الموقف‏,‏ وبيان التهافت لدي من حاولوا أن يصرفوه عن رأيه المتمثل جوهريا في أن القصيدة تفقد وجودها عندما تتخلي عن الوزن أو الموسيقي الشعرية‏,‏ وأن الذين يدعون أن قصيدة النثر تقوم علي إيقاع جديد يعجزون عن شرح هذا الايقاع أو توضيح ماذا يقصد به‏,‏ الأمر الذي أدي إلي أن يكون أحد عناوين الكتاب‏:‏ قد أفسد القول وهي عبارة تكملتها‏:‏ حتي أحمد الصمم‏,‏ ثم يقول ان قصيدة النثر لم تستطع بعد مرور أكثر من قرن علي ظهورها أن تقنعنا بأنها قصيدة‏,‏ أو بأنها شعر بالمعني الاصطلاحي للكلام‏,‏ أو بأنها شعر آخر يكافئ الشعر كما نعرفه أو يساويه‏.‏

    ومن أخطر ما يراه البعض أن الوزن في الشعر حلية أو قيمة شكلية تضاف إلي الكلام فتزيده جمالا في نظر بعضهم‏,‏ أو تقيده وتضغط عليه وتكبح جماحه‏,‏ وتنال من حريته وقدرته علي التعبير في نظر بعضهم الآخر‏,‏ وهي نظرة قاصرة بعيدة كل البعد عن الصواب‏,‏ فالشعر ليس مجرد معني يمكن ان يستقل بنفسه‏,‏ والمعني في الشعر لا يتحقق بدلالة الألفاظ وحدها‏,‏ بل يتحقق بدلالات الألفاظ وأصواتها في وقت واحد‏,‏ وشاعرنا الكبير يؤسفه أن يجد نفسه مضطرا إلي الدفاع عن البديهيات ومنها حاجة الشعر إلي الوزن‏,‏ في لغتنا وفي كل اللغات‏,‏ فالوظيفة الحيوية التي يؤديها الوزن في الشعر ليست في حاجة إلي بيان أو توضيح‏,‏ قصيدة النثر إذن ثمرة من ثمار الصمت الذي أصبنا به‏,‏ فنحن خرس لا نقول ولا ننشد‏,‏ ثم هو يؤكد في موضع آخر من كتابه‏:‏ الموسيقي في الشعر شرط من شروطه‏,‏ كما أن السرد في القصة شرط من شروطها‏,‏ فلا قصة بلا حكاية ولا شعر بلا موسيقي‏.‏

    ولأن القضايا الأدبية ـ في رأي حجازي ـ لا تسقط بالتقادم‏,‏ فلابد من طرحها مرة بعد مرة‏,‏ وجلاء وجه الحقيقة في خضم حياة أدبية وثقافية غائمة غاصة بالأكاذيب تصعر خدها للناس وتستعلي علي الحقائق الخرساء‏,‏ بعد افتقاد هذه الحياة ـ في كثير من الحالات ـ إلي نقد جاد نزيه مسئول‏,‏ ينتشل النقد من غموضه ولا مبالاته وفوضاه‏,‏ وأنا أزيد علي هذه الصفات‏:‏ الغرضية النفعية‏,‏ والوصولية‏,‏ وادعاء الأستذة الجوفاء‏.‏

    وفي صفحات من البحث العميقق‏,‏ يتصدي حجازي لتوضيح من أين جاءت فكرة الثابت والمتحول‏,‏ التي أطلقها أدونيس وتابعه فيها من تابعه‏,‏ ليثبت أن مطلقها الحقيقي هو المستعرب الفرنسي الراحل جاك بيرك عندما ميز بين البنية الثابتة والظواهر المتغيرة‏,‏ مشيرا إلي السؤال الذي طالما طرحه علي الثقافة العربية‏:‏ الأصالة والمعاصرة‏,‏ الارتباط بالينابيع الأولي دون توقف يؤدي إلي الركود‏,‏ والتدفق دون انقطاع عن هذه الينابيع يؤدي إلي الجفاف والضياع‏,‏ وهكذا أخذ بيرك يتحدث عن الثابتوالمتحول بهذا المعني‏,‏ فالثابت عنده هو القانون العام أو هو النظام الذي يقوم به البناء‏,‏ أما المتحول فهو الناتج المتحقق المرتبط بالوقت والظرف‏,‏ المعرض بالتالي للتحول والتغير‏.‏

    ولعل من أطرف ما يتضمنه هذا الكتاب القنبلة تسجيله للحوار الذي دار بين الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي والناقد المفكر الكبير محمود أمين العالم حول المقصود بالإيقاع في قصيدة النثر‏,‏ حجازي يري أنها خالية من الايقاع‏,‏ ويستطيع أن يثبت ذلك باختبار مقاطعها الصوتية فلا يجد فيها تكرارا ولا انتظاما‏,‏ والعالم يقول إن فيها إيقاعا‏,‏ لكنه لا يستطيع أن يبرهن علي مايقول‏,‏ وهو موقف يشاركه فيه النقاد الذين يتحمسون لقصيدة النثر باعتبارها مستقبل الشعر العربي‏.‏

    هذا الكتاب من شأنه أن يبدد الضباب ويوقظ الوعي ويدفع الآخرين الي قول الحق دون مراوغة أو التباس‏,‏ وياعزيزي حجازي ان افضل دفاع تقوم به عن الشعر الحقيقي هو صدور مجموعتك الشعرية الجديدة طلل الوقت التي طال انتظارها‏,‏ ليعرف الناس الفرق الهائل بين الشعر واللاشعر‏,‏ بين القصيدة الناطقة والقصيدة الخرساء‏.‏


    **************
    http://www.alriyadh.com/2012/08/01/article756537.html

    القصيدة الخرساء
    جهاد فاضل

    قبل ربع قرن من اليوم كان الصراع على أشدّه في الساحة العربية بين أنصار قصيدة النثر وخصومها، فالأولون يعتبرون أن القصيدة الكلاسيكية، (ومعها قصيدة التفعيلة ضمناً) قد أفلست، وأن قصيدتهم بالتالي هي قصيدة الحاضر والمستقبل كما هي قصيدة الحرية أيضاً لأنها تحرر الشاعر من قيود كثيرة في طليعتها قيد الوزن والقافية، وتفتح أمامه الطريق نحو آفاق شعرية أرحب. وكثيراً ما أدلى هؤلاء، كدليل على تراجع الشعر التقليدي، بازدياد عدد الدواوين المكتوبة بأسلوب قصيدة النثر قياساً إلى عدد الدواوين الشعرية المكتوبة على طريقة الخليل بن أحمد، معتبرين أن هذه الظاهرة وحدها تؤكد قلبتهم على الفريق الآخر، وكون قصيدتهم ستتحول في يوم قريب إلى قصيدة الشعر الأولى. هذا في حين كان خصومهم برون أن ازدياد عدد دواوينهم على عدد دواوين سواهم لا يمكن أن يُعتبر مؤشراً على نفوذهم المتصاعد أن المتعاظم، ودليلاً على سيطرتهم على نادي الشعر. ذلك أن أي مثقف عادي، ومن خارج نادي الشعر أصلاً، يمكنه أن يُنجز ديوان شعر نثري في مدة لا تتجاوز الساعات العشرة في حين أن قصيدة عظيمة من الشعر قد تحتاج أحياناً إلى شهر حتى تُنجز.

    فالشعر إذن لا يقاس بعدد الدواوين بل بنوعيتها. أما الصراخ الذي ينبعث كل صباح من الصفحات الثقافية التي يهيمن عليها الشعراء النثريون، فلا يجوز التعويل عليه والاعتداد به كدليل لا يُدحض على أن قصيدة النثر قد سجّلت انتصارات حقيقية في الساحة الأدبية. فكثيراً ما انتكست الأهواء والدعاوى ولم تحقق لأصحابها ما تمنّوا أن يحققوه.

    ولعل كتاب «القصيدة الخرساء» للشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي كان أكثر الضربات الموجعة التي ألحقها خصوم قصيدة النثر بهذه القصيدة. فقد جرّدها هذا الكتاب من كل شعرية يمكن أن يدّعيها لها أصحابها، انتهى إلى القول إنها ليست مجرد شعر رديء، وإنما هي أياً نثر رديء. فلا هي بالشعر الجيد ولا هي بالنثر الجيد أيضاً، وإنما هي عبارة عن نثر باهت ركيك يكتبه في الأعم الأغلب ناشئون مبتدئون لا يعرفون قراءة نص شعري عربي قراءة سليمة. فكيف يمكن أن يُعتبر شاعراً من لا يجيد لغة المتنبي وقراءة شعره ومضامين وأسرار هذا الشعر على نحو وافٍ؟

    على أن هناك من النقاد من أنصف أنماطاً من الشعر العربي، أو الأجنبي، المكتوب بأسلوب قصيدة النثر، وميّزه عن سواه من النظم النثري الركيك. قال هؤلاء بلسان الناقد المصري ماهر شفيق فريد (في كتابه الجديد تساعية نقدية الصادر عن مكتبة الآداب بالقاهرة): إن قصيدة النثر في أعلى تجلياتها - عند بودلير ورامبو ولافورج ولوثريامون، وعند أوسكار وايلد وإليوت - لا تقلّ امتلاء ً بالصور ولا تفجّراً بالإيقاع الداخلي المتولد عن حركة الفكر، والتوفيق بين النقائض وصراعها، والمراوحة بين أطوال السطور، والتكرار، والوقفات، وكسر التوقعات السمعية، والعلاقات بين السواكن وحروف اللين، والمراوحة بين الخبر والإنشاء - عن الشعر الذي يراعي الوزن والقافية. ولكن أين نجد مثل هذه الفضائل التعويضية في تلك الافرازات المريضة والتشكيلات الهلامية التي يخرجها شعراء قصيدة النثر وشواعره عندنا؟

    وبعد أن يقول ماهر شفيق فريد إن أغلب ما يُنشر عندنا تحت مسمّى قصيدة النثر، ليس نظماً رديئاً وحسب، وإنما هو نثر رديء أيضاً، يلاحظ أن طوبوغرافية المطبوع منه على شكل أسطر مستقلة لا تستطيع أن تخفي الحقيقة الدميمة المتمثلة في أن هذا «الكلام» هو مجرد رصف لألفاظ، وسعي إلى الغرابة والتفرّد حيث لا عقل أصيلاً هناك ولا خيال مجنحاً ولا قدرة على التشكيل باللفظ مثلما يشكّل المثّال مادته في الصلصال أو الخشب أو الحجر أو النحاس.

    وهناك ملاحظة أخرى تتصل بالإبداع الفني. فإليوت يلاحظ أن هذا الإبداع هو نقطة تقطاع بين الموروث والموهبة الفردية، أكثر شعراء قصيدة النثر عندنا لا يعرفون شيئاً تقريباً عن تراث العرب الشعري (أو سواهم من شعوب) وموهبتهم الفردية - إن وُجدت أصلاً - ناقصة النمو ولم ترتوِ من الاحتكاك بخبرات السابقين، لهذا تُخنق صورهم - مهما بدت جريئة غير مألوفة - في أن ترسم أفقاً جديداً أمام القارئ، وتظل تراكيبهم النجوية أقرب إلى الركاكة والخرق، وتعوزها صنعة الفن الرهيفة التي لا تتأتى لشاعر إلا بعد مران طويل واقتراب، يعقبه ابتعاد، عن آثار السابقين.

    ثم إن لغة الشعر العربي تعتمد على الإيقاع الذي يتحقق بالوزن قبل أي عنصر آخر. وهذا جزء من عبقرية اللغة وخصائصها الباطنة. وغياب الوزن، بعد غياب القافية، عن نماذج قصيدة النثر يحرمها أولاً من الحق في أن تُعَدّ شعراً، وثانياً من أن ترسخ في ذاكرة القارئ بفضل إيقاعها الموسيقي، والمعروف أن الشعر الحق يحفر ذاته في الذاكرة كأنما بمبضع من فولاذ، ولا ينزلق من فوقها دون أن يترك أثراً كما تنزلق أمواج البحر فوق صخرة طحلبية مخضلة.

    إدوار الخراط يزعم أنه ليس للقصيدة الحداثية شكل مسبق مفروض سلفاً (ويدخل في ذلك بطبيعة الحال الأعاريض والبحور والتفعيلات مستقرة الرسم). ولكن ما يقوله الخراط يصحّ فقط عندما تكون القصيدة جديدة حقاً، كبعض قصائد أنسي الحاج والماغوط وسواهما من الشعراء ذوي الموهبة، ولكنه لا يصحّ على قصائد العشرات من متوسطي الموهبة ممن لا يملكون صوتاً خاصاً ولا رؤية خاصة ولا لغة خاصة.

    إن قصيدة النثر، كما يرى أحمد عبدالمعطي حجازي، شعر ناقص، وهي في أحسن الأحوال، كما يرى ماهر شفيق فريد، نثر يطمح إلى يلوغ وضع الشعر مثلما تطمح كل الفنون إلى وضع الموسيقى حيث لا انفصام بين الشكل والمحتوب. قصيدة النثر رافد بسيط من روافد التيار الشعري، ولا يمكن لأكثر من سبب أن تكون هي التيار الأساسي.

    ولكن كل هذا لا يعني أن الحياة لا تفارق كل المنظومات العمودية. ففي الكثير من هذه المنظومات لا يعثر القارىء البتة على ما يصلها بالحياة المعاصرة، فما هي في واقع أمرها سوى تنويع على القديم أو استنساخ له، مع حدّ بسيط من التطوير لرؤى وتعابير كانت جديدة في زمانها ففارقتها الجدّة في ما بعد.

    ويبقى أن الحق في التجريب، كما قال لويس عوض في مقدمته لديوان بلوتولاند، «حق أولي من حقوق الإنسان، طبيعي ومقدس ولا يقبل التجزئة». ولكن للتجريب شروطه المضمرة، ومنها أن يتوفر صاحبه على ثقافة تراثية وعصرية متينة، أي أن يكون مجهزاً تجهيزاً جيداً قبل إٍقلاعه، وإلا خاب مسعاه من أول رحلته. كما أن التجربة، تعريفاً، محاولة قد تصيب وقد تخطئ، واحتمالات الخطأ فيها كثيراً ما تكون أقوى من احتمالات الصواب، أما شاعر قصيدة النثر فحاطب ليل يلتمس طريقه في غابة دروبها غير مطروقة ولا معبدة. لذلك يكون احتمال ضلاله أكبر من احتمال ضلال من يسير في ظلال مورث السابقين.

    ****

    http://www.arabicnadwah.com/modernis...saa-hegazy.htm

    القصيدة الخرساء‏!‏
    أحمد عبدالمعطي حجازي - مصر

    بعض الناس‏,‏ وربما اكثرهم‏,‏ يظنون ان الوزن في الشعر حليه او قيمه شكليه تضاف للكلام فتزيده جمالا في نظر البعض‏,‏ او تقيده وتضغط عليه‏,‏ وتكبح جماحه‏,‏ وتنال من حريته وقدرته علي التعبير في نظر البعض الاخر‏,‏ والدليل علي ان الوزن قيمه مضافه للشعر من خارجه‏,‏ اننا نستطيع ان نحرر البيت الموزون من وزنه ونكتبه منثورا كما نفعل مثلا بقول المتنبي‏:‏
    ما كل ما يتمني المرء يدركه‏..‏ تاتي الرياح بما لا تشتهي السفن
    فنقول‏:‏ المرء لا يدرك كل ما يتمناه‏..‏ والرياح تاتي بما لا تشتهي السفن‏..‏
    ونحن نترجم الشعر الموزون المقفي في اللغات الاخري ترجمه منثوره لا وزن فيها ولا قافيه في معظم الاحيان‏,‏ كما نفعل مثلا في ابيات بودلير التي يقول فيها من قصيدته الي متسوله شقراء‏:‏

    ‏Blanche fille aux cheveux roux,‏
    ‏Dont la robe par ses trous‏
    ‏laisse voir la pourete‏
    ‏Et la beaute‏
    البنت البيضاء بشعرها الاشقر
    وثوبها الذي تسمح فتوقه
    برؤية فقرها
    وجمالها

    ونحن نعرف ان العلماء القدماء كانوا يضعون القواعد والاحكام والتعريفات العلميه في ابيات منظومه ليسهل علي الطلاب حفظها‏,‏ كما فعل علي بن الجهم في التاريخ‏,‏ وابن مالك في النحو‏,‏ والقزويني في العروض‏.‏ فاذا كان ابن مالك يقول في البيت الاول من الفيته‏:‏
    كلامنا لفظ مفيد كاستقم
    اسم‏,‏ وفعل‏,‏ ثم حرف الكلم

    فهو لم يزد علي ان حشر في بحر الرجز هذا المدخل البسيط الي علم النحو‏,‏ وبوسعنا نحن ان نخرجه من هذا السجن الضيق‏,‏ ونضعه في صوره ابسط واوضح فنقول ان الكلام الفاظ تدل علي معني‏,‏ واللفظ اما ان يكون اسما‏,‏ واما ان يكون فعلا او حرفا‏.‏
    وسواء كان تاثير الوزن في الشعر سلبا او ايجابا‏,‏ فهو في نظر البعض الان زياده يمكن للشعر ان يستغني عنها‏,‏ ويتحقق بدونها‏.‏

    لكن هذه نظره قاصره بعيده عن الصواب‏..‏ فالشعر ليس مجرد معني يمكن ان يستقل بنفسه‏,‏ والمعني في الشعر لا يتحقق بدلاله الالفاظ وحدها‏,‏ بل يتحقق بدلالات الالفاظ واصواتها في وقت واحد والذي يقال عن الفيه ابن مالك لا يمكن ان يقال عن شعر المتنبي‏.‏
    والفهم الصحيح للوزن ووظيفته في الشعر يبدا من الفهم الصحيح لوظيفه الشعر‏..‏ لماذا ظهر الشعر في كل اللغات؟ ولماذا نكتبه؟

    نحن لا نقرا القصيده لنشبع حاجه من حاجاتنا العمليه‏,‏ او نفهم مساله من المسائل العلميه والفكريه‏,‏ او لنتابع ما يجري من تطورات واحداث‏,‏ وانما نقرا الشعر لنعيش تجربه عقليه انفعاليه تختلف كل الاختلاف عن كل ما ذكرت‏.‏ تجربه نعرف بها تلك النشوه العميقه العارمه التي تستيقظ فيها مشاعرنا وملكاتنا وقوانا الظاهره والخفيه‏,‏ فنحن نتطوح فيها كما يتطوح المتصوفه وقد تجلي لهم العالم وانكشفت اسراره‏,‏ وترامت الي اسماعهم وخواطرهم الاصداء البعيده والهمسات القريبه‏,‏ فهم اطفال ابرياء وشيوخ حكماء‏,‏ وهم ايقاظ نيام‏,‏ يختلجون ارواحا وابدانا‏,‏ يعرفون ولا يعرفون‏,‏ لان ما عرفوه اعظم من ان يتمثلوه‏,‏ واهون من ان يكتفوا به‏.‏
    التجربه الشعريه الحقه هي اعمق تجربه يمكن ان يمر بها الانسان‏..‏ ومع ان الشعر يتحقق باللغه فهو يغير اللغه ويعيد تشكيلها‏,‏ ويقدح شررها‏,‏ ويفجر ايقاعاتها‏,‏ ويستدرج ما تزخر به اعماقها من الوان واشكال وروي‏,‏ ويقولها ما لم تكن تقوله من قبل‏,‏ ولقد كنت اقرا ابا العلاء فاراه يتوجع في شعره ويستغيث اه غدا من عرق نازل‏!‏ والغوث من صحه هذا النبا‏!‏ فارد توجعه واستغاثاته الي ما يخايله من صور ويخامره من كوابيس‏,‏ وهذا ليس كل الحق‏,‏ ففي استغاثاته فرح وغبطه بما يتحقق علي يديه من شعر ونشوه غامره بما يجد‏.‏

    ومع ان الشاعر ينتفع بمعارفه وتجاربه‏,‏ وبمعارف الاخرين وتجاربهم‏,‏ ومع انه قد يصف الاشياء التي نراها والمشاهد التي نعرفها‏,‏ ويعبر عما يراودنا من احلام وخواطر ومشاعر فهو لا يصف‏,‏ ولا يقص‏,‏ ولا يخبر‏,‏ ولا يقاضي‏,‏ ولا يحكم كما نفعل في لغه التفاهم والاتصال اليومي‏,‏ وانما يحملنا الشاعر الي هذا السحر او يحمله الينا‏.‏
    باختصار‏,‏ الشعر تجربه انفعاليه لا تتحقق الا بلغه خاصه‏,‏ واللغه الشعريه مجاز‏,‏ اي جسر ننتقل به مما نعرفه الي ما لا نعرفه‏,‏ او مما نعرفه معرفه عامه مشتركه الي ما نريد ان نعرفه معرفه خاصه ذاتيه يقترحها علينا الشاعر ويقنعنا بها‏.‏

    معني هذا ان عمل الشاعر منصب علي تزويد اللغه باقصي ما يستطيع من طاقه تمكنها من ان تنسلخ من وظيفتها العاديه وتتجاوز حدودها لتودي وظيفتها الشعريه‏.‏
    ولقد تعودنا علي ان نحصر عمل المجاز داخل حدود المعني‏,‏ وان نستخدم ما يوجد بين الالفاظ من علاقات معنويه كالتشابه والتجاور والاتصال لنحقق الانتقال المطلوب من المعني المعجمي المعروف الي المعني الشعري المبتدع او المقترح‏,‏ دون ان ننتبه الي ان الالفاظ ليست معاني ودلالات فحسب‏,‏ ولكنها اصوات ايضا يتصرف فيها الشاعر‏,‏ ويتلاعب بها‏,‏ ويشكلها ويحولها الي ايقاعات تسهم مع المعني في صنع اللغه المجازيه التي هي ماده الشعر وقوامه‏.‏

    اريد ان اقول ان الوزن في الكلام طاقه تساعده علي ان يودي وظيفته الشعريه‏,‏ كما يساعده في ادائها اتصال الدلالات وتداخلها وتقاطعها‏.‏ فالفتاه الرشيقه الرقيقه النافره تتحول عن طريق المجاز الي ظبي او غزال‏,‏ لان هذه الاوصاف اظهر ما تكون في هذا الكائن الفاتن‏.‏
    لكننا نعلم ان الغزال الذي نتحدث عنه في القصيده ليس هو الغزال الذي نعرفه في الصحراء او في حديقه الحيوان‏,‏ كما انه ليس الفتاه التي نعرفها في الجامعه او النادي او حديقه النباتات‏..‏ فنساء الواقع لسن غزالات‏,‏ وغزالات الواقع ليست نسوه‏..‏ وغزال الشعر اذن كائن ثالث لا تحققه ولا تشخصه الا لغه مجازيه‏,‏ اي لغه تتجاوز نفسها‏,‏ وتغير وجهها وصوتها وتتحول الي براق ينقلنا الي ملكوت الشعر فننتقل معه‏,‏ ونصدق ما يوحي لنا به‏,‏ كما يفعل الممثل الذي يصبغ وجهه‏,‏ ويغير لغته‏,‏ وصوته‏,‏ وملابسه لنصدق انه عطيل‏,‏ او هاملت‏,‏ او شهر يار‏.‏

    الوزن هو الجناح الاخر للمجاز الي جانب الصوره الشعريه‏,‏ وبالصوره والوزن تنتقل اللغه من عالم اليقظه الي عالم الحلم‏,‏ او تتحول من المشي الي الرقص‏,‏ كما كان يقول الشاعر الفرنسي بول فاليري‏..‏ واذا كانت هذه هي وظيفه الوزن‏,‏ فالوزن شرط جوهري لا يمكن للشعر ان يقوم بدونه‏.‏ والمجال لا يتسع لتقديم شهادات النقاد والشعراء المعاصرين في هذه المساله‏.‏ وباستطاعه القارئ ان يعود اليها في مظانها فيقرا مقالات ايليوت ومحاضراته عن موسيقي الشعر في اعماله النقديه التي ترجمها الدكتور ماهر شفيق فريد وصدرت عن المجلس الاعلي للثقافه‏,‏ ويقرا ترجمه الدكتور احمد درويش لكتاب جان كوهن بناء لغه الشعر الصادره عن دار المعارف‏.‏
    ومما يوسفني ان اجد نفسي مضطرا للدفاع عن البديهيات ومنها حاجه الشعر للوزن‏,‏ فضلا عن اضطراري لاحاله القارئ الي شهادات الانجليز والفرنسيين حتي يقتنع بما يرفض الاقتناع به اذا عرضناه عليه دون ان نستعين في ذلك بشهادات الشهود الاجانب‏,‏ مع ان شهادات الاجانب ليست حجه علينا‏,‏ لان الذي قد تقبله اللغه الانجليزيه او الفرنسيه قد لا تقبله لغتنا‏..‏ لكن ماذا نفعل والاجيال الجديده تسمع اكثر مما تقرا‏,‏ وتنخدع بما تسمع فتعتنقه وتعمل به دون ان تفحصه وتفكر فيه‏.‏

    ولو نظر القارئ الي تاريخ الشعر في كل اللغات لوجد ان الوظيفه الحيويه التي يوديها الوزن في الشعر ليست في حاجه الي بيان او توضيح‏.‏
    ولقد تغيرت اللغات وتطورت الاداب‏,‏ وانقرضت انواع‏,‏ وازدهرت انواع اخري‏,‏ وظل الوزن حجر اساس في الشعر يقوم عليه البناء كله‏,‏ لان الشعر لغه مجازيه كما شرحت‏,‏ ولانه لغه طقسيه‏,‏ ولانه معرفه شامله‏,‏ فهو غناء‏,‏ ورقص‏,‏ وحكمه وتامل‏,‏ وتصوير وتمثيل‏.‏

    فاذا كانت قد ظهرت محاولات لكتابه شعر بغير وزن فنجحت احيانا وفشلت احيانا‏,‏ فلن يغير نجاحها هذا من القانون شيئا‏,‏ ولن يقنعنا بان التراث البشري كله باطل‏,‏ وان الشعر لم يتحقق الا الان‏!‏
    والمشكله الكبري في لغتنا الفصحي انها لغه نقراها بعيوننا ولا نكاد ننطقها بالسنتنا‏,‏ لاننا لا نتعامل بها‏,‏ ولا نفسح لها في حياتنا‏,‏ ولا نلتفت لوجودها الا في لحظات عابره مصطنعه‏.‏

    وانك لتجد الرجل يقرا ثم يضطر لان ينطق فتدرك انه عاجز عن النطق الصحيح‏,‏ واذن فهو عاجز عن الفهم الصحيح‏,‏ لان الصوت اللغوي علامه علي المعني‏,‏ فان لم تفهم دلالته‏,‏ او ان جعلته صوتا حملته دلاله ليست له‏.‏
    قصيده النثر اذن ثمره من ثمار الصمت الذي اصبنا به‏,‏ فنحن خرس لا نقول ولا ننشد‏!‏

    نقلاً عن جريدة الأهرام


  2. #2
    {{د. ضياء الدين الجماس}} غير متواجد حالياً مُجاز في العروض الرقمي
    تاريخ التسجيل
    Oct 2013
    المشاركات
    2,065
    أتساءل :
    إذا كان النثر المحتوي على صور جميلة تثير المشاعر والمخيلة وقوة تعبير بلاغي يسمى شعراً (غير موزون) ، فلماذا نتهم قصيدة جميلة المعاني والصور بالكسر إذا لم تكن منضبطة وفق موازين بحر معين على الأقل من بحور الخليل ، أو نخرجها من الشعر إذا لم تحقق ضوابط بحر على الأقل من بحور الخليل ؟

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,954
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة (د. ضياء الدين الجماس) مشاهدة المشاركة
    أتساءل :
    إذا كان النثر المحتوي على صور جميلة تثير المشاعر والمخيلة وقوة تعبير بلاغي يسمى شعراً (غير موزون) ، فلماذا نتهم قصيدة جميلة المعاني والصور بالكسر إذا لم تكن منضبطة وفق موازين بحر معين على الأقل من بحور الخليل ، أو نخرجها من الشعر إذا لم تحقق ضوابط بحر على الأقل من بحور الخليل ؟

    أستاذي الكريم

    الكلام برمجة التفكير .

    تعبير (قصيدة النثر) بالنسبة لي كتعبير ( رحم الرجل ) أو ( شنب المرأة) .

    قال مدير الحوار في مقابلة تلفزيونية تعقيبا على موقفي القريب مما تقدم :" لو تجاوزنا تسمية القالب "

    كان جوابي ينتهي الموضوع ، فليس الحديث عن المضمون. وفي كل أشكال الأدب يرتقي المضمون أو يهبط.
    وأضفت لم يكن يمكن تجاوز اعتبار المشركين للقرآن شعرا.

    في الرابطين التاليين مزيد :

    https://sites.google.com/site/alaroo.../arood-remawee


    http://www.almolltaqa.com/vb/showthr...7%E1%E4%CB%D1-)

    يرعاك الله.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    1,413
    موضوع ممتع..
    فشكرا أستاذي خشان.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    4,594
    سمعت بالقصيدة النثريه ولكن لم اقرأ قصيدة نثر في حياتي وربما قرأت واحسبها نثر
    وهل يوجد كتا ب متمكنين او متمرسين في هدا النوع من الكتابه

    واتمنى تزويدنا بقصائد خرساء

    ودمتم بخير استاذي الفاضل

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
الاتصال بنا
يمكن الاتصال بنا عن طريق الوسائل المكتوبة بالاسفل
Email : email
SMS : 0000000
جميع ما ينشر فى المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأى القائمين عليه وانما يعبر عن وجهة نظر كاتبه فقط