هذا كتاب قيم، وعدد صفحاته على الشبكة 400 صفحة. ويقرأ مباشرة دون تحميل.

وهو من تأليف : حمد مصطفى المراغي

ورابط صفحته الأولى :

http://shamela.ws/browse.php/book-9997/page-345#page-1

وأول ثلاث صفحات فيه :

مقدمة الكتاب:
حمدا لك اللهم، بك المعونة والتوفيق، ومنك الهداية لأقوم طريق، إذا أظلمت الشبهات، في دجنة الخطوب المدلهمات، وبفضلك نطلب يقينا يملأ الصدر، ويستولي على زمام القلب، ويكبت ثورة النفس، فيردها عن غيها، ويكبح جماح شهواتها، فإنك الملجأ والنصير والمعين, وصلاة وسلاما على محمد عبدك ورسولك الذي آتيته الحكمة وفصل الخطاب، وعصمته من الخطأ وألهمته الصواب، ومننت عليه بفضيلة البيان، ففند بقاطع حجته قول من عارضه من أهل الزور والبهتان.
وبعد فإن موضع علوم البيان من علوم العربية، موضع الرأس من الإنسان، أو اليتيمة من قلائد العقيان، فهي مستودع سرها، ومظهر جلالها، فلا فضيلة لكلام على كلام، إلا بما يحويه من لطائفها، ويودع فيه من مزاياها وخصائصها، ولا تبريز لمتكلم على آخر، إلا بما يحوكه من وشيها، ويلفظه من درها، وينفثه من سحرها، ويجنيه من يانع ثمرها.
إلى أن بها نعرف وجه إعجاز القرآن، وندرك ما فيه من خصائص البيان، ونفهم براعة أسلوبه، وانسجام تأليفه، وسهولة نظمه وسلامته، وعذوبته وجزالته، إلى أمثال تلك المحاسن التي أسالت على العرب الوادي عجزا، حتى حارت عقولهم، وقصرت عن بلوغ شأوه جهابذتهم وفحولهم، حتى اضطر ذلكم المتكبر الجاحد، والصلف المعاند، الوليد بن المغيرة، أن يقول فيه مقالته المأثورة: "والله إن لكلامه لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمورق، وإن ليعلو ولا يعلى عليه، وما هو بقول البشر" فالجاهل بأسرارها،
المحروم من اقتطاف جني ثمارها، لا يعرف وجه الإعجاز إلا بالتقليد ولا يعلم ذلك إلا بالسماع، فسواه في قضية النظر، هو والزنجي والبربري، والفارسي والنبطي، إذ كل أولئك يتلقونه سماعا، ويصل إليه علمه مشافهة.
مما تقدم تعلم جليل خطرها، وعظيم منزلتها، وأنها لا تدانيها منزلة علم آخر من علوم العربية، فلا غرو إذا اتجهت همم العلماء والباحثين في مختلف العصور إلى التأليف فيها، وبسط القول في بيان مغازيها ومراميها، وقد رأينا أن ندلي دلونا بين الدلاء، ونضرب بسهم في هذا الميدان، والله ولي التوفيق، والهادي لأقوم طريق.
أحمد مصطفى المراغي

****

نبذة في تاريخ علوم البيان:
1- الحاجة إلى وضع قواعدها:
أ- اشتعلت نار الجدل صدر الدولة العباسية حتى اندلع لهيبها وتطاير شررها إلى جميع أنحاء البلاد الإسلامية, ردحا من الزمن غير قليل بين أئمة الأدب وأرباب المقالات من علماء الكلام في بيان وجه إعجاز القرآن، واختلفوا في ذلك طرائق قددا، وتفرقوا أيدي سبا، وتعددت نزعاتهم، وتضاربت مذاهبهم وآراؤهم كما هو مسطور في زبر المتكلمين كالمواقف لعضد الدولة، والمقاصد لسعد الدين التفتازاني.
وكان الرأي الآفن من بين هذه الآراء وأبعدها عن الصواب، رأي إبراهيم النظام صاحب المذهب الذي ينسب إليه "مذهب الصرفة" إذ قال: إن القرآن ليس معجزا بفصاحته وبلاغته، وإن العرب كانوا قادرين على أن يأتوا بمثله، لكن الله صرفهم عن ذلك تصديقا لنبيه، وتأييدا لرسوله حتى يؤدي رسالات ربه، فانبرى المبرد عليه جم غفير من العلماء من بينهم الجاحظ والباقلاني، وإمام الحرمين، والفخر الرازي، وناضلوا نضالهم المحمود الذي خلد لهم في بطون الأسفار فكتبوا الفصول الممتعة مبينين خطل رأيه وفساد مذهبه، بما أملته عليهم قرائحهم الوقادة، وأفكارهم النقادة، حتى لم يبق في القوس منزع، ولا زيادة لمستزيد.
ب- كذلك قامت سوق نافقة للحجاج والمناظرة، بين أئمة اللغة والنحو أنصار الشعر الجاهلي، الذين رأوا أن الخير كل الخير في المحافظة على أساليب العرب وأوضاعها، والأباء والشعراء أنصار الشعر المحدث الذين لم يحفلوا بما درج عليه أسلافهم من العرب، ورأوا أنهم في حل من كل قديم، لا يشاكل بيئة