المنهج والوافر والسريع

البيع بالتقسيط بسعر أعلى من السعر النقدي في وقت البيع وارد في الإسلام وفي النظام الرأسمالي.الربوي، ولكنه في كل منهما جزئية من شمولية لمنهج فكأنهما شارعان يتقاطعان في هذه النقطة.
هل من فرق عملي بينهما ؟
كون التطبيق الجزئي تابع لمنهج شامل يحتم وجود فارق بينهما رغم التقائهما في هذه النقطة. فلو أن اثنين اشتريا نفس البضاعة وقيمتها 100 وحدة ليسدداها خلال سنتين بالتقسيط بقيمة 110 وحدات. ثم عجزا كليهما عن السداد واستمر تسديدهما للبضاعة إلى أربع سنوات فإن الذي اشترى بالتقسيط حسب حكم الشرع لا يزيد عليه المبلغ بل يبقى 110 أما الذي اشترى حسب النظام الرأسمالي فإنه سيسدد قيمة 120 بدل ال 110 التي كانت لسنتين.

ثم مثال أسهل، وهو جزئية تقبيل الحجر الأسود.
المسلمون يقبلونه وفق منهاجهم تنفيذا لسنة الرسول عليه السلام وهم يعلمون أنه حجر لا يضر ولا ينفع كما قال عمر رضي الله عنه، وبذلك صار تقبيله رمزا للتوحيد، والمشركون يجلّون الحجارة وربما يقبلونها شركا بالله.

وهكذا يشكل المنهج ضابطا ومقياسا وإطارا للأحكام الفرعية ومرجعا لصاحبه يقومه إن شذّ أو أخطا، بينما من لا منهج له يحفظ المعلومات ويراكمها ولا يرى داعيا لوجود معيار موضوعي علمي محدد لتجانسها. وهذا ما قد يؤدي إلى التناقض.

هل لهذا علاقة بموضوعنا ؟

نعم ، فإن منهج الخليل لم يحظ بالاهتمام به لذاته، وتركزت الدراسات العروضية على الجانب التجزيئي التطبيقي كما قال الأستاذ ميشيل أديب "في مجلة الموقف الادبي العدد 373 أيار 2002: "وأكثر ما يعيبكتب العروض القديمةوالحديثة، أنها، على الرغم من مظاهر العبقرية، التي لم يكشف الخليل عن أسرارها،لم تحاول تحليل العملية الذهنية لتي مكَّنت الخليل من بلوغ هذه القمَّةالرياضيةالتي لا تتأتَّى إلاَّ للأفذاذ ."

الوافر التام على دائرة (هـ- المؤتلف) = 3 4 3 4 3 2 ( 2 ) = مفاعلتن مفاعلتن مفاعلْـــ(ــــتن)
الســـــــــــــــــــريع على دائرة ( د – المشتبه) = 4 3 4 3 4 2 ( 1 ) = مستفعلن مستفعلن مفعولا(تُ)

في الواقع الشعري فإن الملون بين القوسين محذوف في كل من الوافر ومصطلحه ( القطف ) والسريع ومصطلحه ( الكشف ).
لم ينكر أحد انتماء الوافر في الواقع الشعري بسبب حذف السبب الأخير فيما يعرف بالقطف إلى دائرة ( هـ - المؤتلف )
ثمة من ينكر انتماء السريع في الواقع الشعري بسبب حذف المتحرك الأخير فيما يعرف بالكسف/الكشف إلى دائرة (د-المشتبه).
لماذا هذا الإنكار تارة وعدم الإنكار أخرى وكلا الأمرين ناجم عن الفرق بين المثال والتطبيق ؟
السبب هو الكيل بمكيالين في غياب منهج الخليل أو رفضه.

لتسهيل فهم الموضوع سأتصور حوار بين بين شخصين
ت : شخص يأخذ بالــتــــفاعيل دون ربطها بمنهج الخليل
ر : شخص يأخذ بالــــرقمي انطلاقا من منهج الخليل

ت : ولكن هناك من نظم على الوافر التام بإضافة السبب الذي حذف بالقطف، وقد بدا مستساغا إلى حد كبير ومن ذلك ما نقله أستاذي د. خلوف من قول إحسان البني:

سألْتُ اللهَ أن يُبقيكِ في صدري ** كنَزْفِ الجرْحِ في آهاتِ ذِكْرانا


فطَعْمُ الجرْحِ في ذِكْراكِ أعشَقُهُ ** وقد أضحتْ جراحي فيكِ إدْمان


فهل هناك من نظم على السريع التام بإضافة المتحرك الذي حذف بالكشف.
ر: إن أثبت لك ذلك هل توافقني على انتماء السريع لدائرة ( هـ - المؤتلف )
ت: نعم
ر: حسنا أولا ينبغي أخذ الفارق بين الرقم 2 الأخير في الوافر والمتحرك 1 في آخر السريع، فالعجز لا ينتهي في العربية بمتحرك. وإذن لا بد من استبعاد المتحرك الأخير بإحدى طريقتين
الأولى : حذفه ليكون السريع = 4 3 4 3 2 2 2 = مستفعلن مستفعلن مفعولا
وهو ما ترفض أو تشكك في انتمائه لدائرة ( هـ - المؤتلف )
والثانية : إضافة ساكن بعده ليكون موزون السريع = 4 3 4 3 2 2 2 1 ه = 4 3 4 3 2 2 2 2
= مستفعلن مستفعلن مفعولاتن. ، ولنلاحظ الألوان من الان فصاعدا فكل أزرق سبب أو من أصل سببي وكل أحمر وتد.
ولكن هذا يخرج عن بدهيات العروض العربي بتجاوزه الجرعة الخببية القصوى 222 أي ثلاثة أسباب ليشمل أربعة اسباب هي مفعولاتن 2 2 2 2، فيخرج بذلك من دائرة الشعر إلى الموزون، ومن ذلك :


أطوي عناويني بأمسِ الترديدِ........ في خطوتي شوقُ الندى للمورود


4 3 4 3 2 2 2 2 ..........4 3 4 3 2 2 2 2


ينتابني دربي ويمضي ببابي........ في طلْعة الشيخ الضرير الـمـكنودِ


4 3 4 3 2 1 2 2 ..........4 3 4 3 2 1 2 2


تدور ساعاتي بعكس المساعي....... كم والدٍ أودى بدعوى المولودِ


4 3 4 3 2 1 2 2 ..........4 3 4 3 2 1 2 2


ت : ولكن الوزن هذا وخاصة شطرا صدره وأعجازه ثقيل على السمع
ر: صدقت وذلك لأنه تجاوز جرعة الثلاثة أسباب إلى أربعة أسباب . وأنت أدركت ذلك عندما خصصت صدر البيت الأول بثقل زائد عن ثقل صدر البيتين الثاني والثالث. حيث تم التخلص من الجرعة الخببية الزائدة بزحاف 2222 = مفعولاتن إلى 2 1 2 2 = 2 3 2 =مفعلاتن وهي من حيث الكم تماثل فاعلاتن 2 21 2 = 2 3وهذا الوزن في الحالين ليس بشعر لأنه تجاوز منهج الخليل ودوائره بل هو من الموزون على درجات مختلفة من الاستساغة والاستثقال.
فلو اننا زاحفنا 2 2 2 2 في الصدر والعجز إلى 2 1 2 2 لكان الوزن بدا مستساغا أكثر كقول د. عبد الله الفيفي:

2 2 3 2 2 3 2 3 2 ... ... ... 2 2 3 2 2 3 2 3 2


أطوي عناويني بأمسي لأمشي............ في خطوتي شوقُ الندى للورود


ينتابني دربي ويمضي ببابي.......... في طلْعة الشيخ الضرير الكنودِ


كيف الوصول هل وصولي قفولي.......... أنفقتُ وقتي في ابتداء المعيد


.. تدور ساعاتي بعكس المساعي............ كم والدٍ أودى بدعوى الوليدِ

ت: هل تعني بأن هذا الوزن ليس من السريع ؟
أجل، ليس من السريع ، هو من موزون السريع. وانظر كيف يزداد قربا من سريع الخليل بجعله مع ملاحظة تصريع البيت الأول :

أطوي عناويني برغم القيودِ..........في خطوتي شوقُ الندى للورود


4 3 4 3 2 3 2......... 4 3 4 3 2 3 2


ينتابني دربي ويمضي معي.......... في طلْعة الشيخ الضرير الكنودِ


4 3 4 3 2 3......... 4 3 4 3 2 3 2


كيف الوصول هل وصولي دنا...........أنفقتُ وقتي في ابتداء المعيد


تدور ساعاتي بعكس المُنى........ كم والدٍ أودى بدعوى الوليدِ


ت: هل من فرق بين 4 3 4 3 2 3 2 و 4 3 4 3 2 3 2

ر: لا فرق بينهما في السمع، وهنا يلتقي العروض وعلم العروض. ولكن ثمة فرق كبير في النتائج التي تدخل في علم العروض وتخضع لمنهجه وليست من مجال العروض الذي لا منهج فيه بل يفترض فيه اتباع تعليمات الخليل النابعة من منهجه، فمن تجاوز هذه التعليمات فقد انتقل من العروض إلى علم العروض بلا منهج فجانبه الصواب فيما وراء مجرد الأثر السمعي.

ت: وكيف ذلك ؟

ر: من نظر إلى الوزن 4 3 4 3 2 3 2 بالمقاطع الزرقاء 2 3 2 اعتبره من الموزون السائغ وليس من الشعر فإن 2 3 2 = 2 1 2 2= مفعلاتن وهذه لا تأتي من مفعولاتُ أبدا 2 2 2 1. ولذا فهي صورة منفردة تشبه نهايتها بعض صور البحور ولا مجال لها في دوائر الخليل.

ومن نظر إليه باعتاره 4 3 4 3 2 3 2 ففريقان
الأول اعتبره 4 3 4 3 2 3ثم زيد عليه 2 ( الترفيل ) كما يرى أستاذنا د. خلوف فهو يجد نفسه أمام السؤالين التاليين:
أ‌- إلى أية دائرة ينتمي ؟ ولأن أستاذنا يعلم بوجوب الانسجام في الرأي كخاصية من خواص المنهج فإنه قلل من شأن الدوائر ولم يعتبرها أصلا. وهو إزاء اعتباره بعد الترفيل : 4 3 4 3 2 3 2 = مستفعلن مستفعلن فاعلاتن أمام السؤال : هل يجوز فيه التشعيث ؟ فإن قال (نعم) فقد أقر بجواز مجيئه على مستفعلن مستفعلن مفعولن
وهذا معناه أن أنه يعتبر أصل مفعولن = 2 2 2 هو فاعلاتن 2 3 2 وليس مفعولاتُ 2 2 2 1 فيجيز لنفسه ما منعه على الخليل. مع أن الميزان لصالح الخليل لوجود الوزن على دائرة وعدم وجوده على دائرة عند أستاذنا. كما أنه في حال قوله (نعم) سيجد نفسه أمام سؤال آخر هل في العروض العربي كله فيما ورد عن الخليل وزن مرفل دخل سبب الترفيل فيه في إطار التشعيث ؟
وإن قال لا يجوز التشعيث فالسؤال لماذا ؟
الثاني اعتبره الوزن 4 3 4 3 2 3 2 أصليا بدون ترفيل وهو أخذ عن الخليل أن كل بحر لا بد أن يكون جزءا من دائرة، وهذا ما تبناه الأستاذ محمد السحار فقال بوجوب وجود دائرة جديدة تضاف إلى دوائر الخليل ووجدها مكونة من تسعة بحور من بينها هذا المدعو سريعا.
http://www.rabitat-alwaha.net/moltaqa/showthread.php?t=66761
وهنا أعيدك إلى المقدمة حول تقطع جزئيتين من منهجين مختلفين وآثار ذلك في كل من التجاهين فيما وراء نقطة التقاطع.
ت : أنت تقول إن السريع أصله مستفعلن مستفعلن مفعولاتُ = 4 3 4 3 2 2 2 1 أليس آخر 2 1 وتد مفروق
وبالتالي فإن لا من مفعولاتُ جزء من وتد فهي حمراء = 2
فكيف صار السبب الأخير لديك سببا لونه أزرق ؟ وصار الوزن مستفعلن مستفعلن مفعولا = 4 3 4 3 2 22
ر: أحسنت السؤال
من حيث التطبيق في آخر السريع لا فرق عمليا يترتب على الرقم 2 مهما كان لونه فهو آخر مقطع ولا يزاحف على كل حال. ولكن أهمية الموضوع تبرز في حال الحشو من بحور دائرة المشتبه كالخفيف مثلا = 2 3 2 2 2 1 2 2 3 2
فاعلاتن مس تف ع لن فاعلاتن = فإن كل ما بالأحمر لا يزاحف وهذا ما نعتبره التوأم الوتدي فإن تف عِ =12 = وتد مفروق وكذلك فإن ع لن = 1 2 = 3 وتد مجموع وهذا ما نسميه التوأم الوتدي واي مس بأي من مقاطعه يذهب بالوتدية وينقل الوزن إلى الأسباب خفيفة كانت أم ثقيلة.
كل ما تقدم إثبات لأهمية المنهج بعامة ولتميز وروعة وانسجام وتكامل منهج الخليل بخاصة.
كما أنه إثبات الانتماء الأول للسريع إلى الدائة ( د- المشتبه) ، إذ الانتماء للسريع هو للأصل الرجزي.

****

ت: ذكرت أن 2 3 2 = 2 1 2 2 في نهاية ما أسميته موزون السريع آتية من زحاف 2 2 2 2 إلى 2 1 2 2 فهل يمكن زحافه 2 2 2 2 إلى1 2 2 2 بحيث يصبح موزون السريع = 4 3 4 3 3 4 وعليه النظم المشتق:

2 2 3 2 2 3 1 2 2 2 ... ... ... 2 2 3 2 2 3 1 2 2 2


مستفعلن مستفعلن معولاتن ........... مستفعلن فاعلن معولاتن


أطوي عناويني على معاناتي............ في خطوتي شوقُ الندى لما ياتي


ينتابني دربي ولا يراعيني.......... في طلْعة الكنود في المواساةِ

ر: تذكر أن كل حديثنا خارج الشعر، وفي مساحة الموزون، ولكل فيها أن يدلي بدلوه أما لو سألتني أيهما أستسيغ أكثر
4 3 4 3 2 3 2 أم 4 3 4 3 3 4 لقلت لك إني أستسيغ الأول وتتضاءل استساغتي للثاني.
لماذا ؟
هذا ما تستشعره أذني ولعل السبب فيه أن الأول يضاهي 4 3 4 3 2 3 2في السمع وهذه الصورة تتفق مع قانون التناوب العام، بينما الثاني يضاهي 4 3 4 3 3 4وفي هذا المُضاهَى اجتماع وتدين 33 خلافا لقاعدة التناوب العامة.
ويذكر هنا أن د. رياض يوسف والاستاذين سامر سكيك ومحمود مرعي قالا ب [ البحر الجديد]:
مستفعلن مفاعيلن 4 3 3 4وهو ما لا يصح بحال.

هل أعجبك هذا الموضوع ؟ إن أعجبك فأنت مدعو إلى موضوع ( المنهج واللامنهج) :