نعود لتعريف الذاتي والموضوعي
الموضوعي ما كان متعلقا بالموضوع أو الشيء أو الأمر موضوع التناول ، ومن ذلك البيانات الإحصائية لظاهرة ما
والتي لا خلاف عليها من حيث ارقامها. وحتى في حال حصول خلاف حول موثوقية الأرقام فإن هذا الاختلاف موضوعي يمكن حله بالرجوع إلى أصل الوثائق أو حتى إعادة الإحصاء .
الذاتي ما كان متعلقا بذات الشخص في تقييمه ورأيه ، من ذلك تفسير البيانات الإحصائية وهذا يتأثر بخلفية وذهنية المفسر بل وربما غايته.
وإذا حصل خلاف بين رأيين ذاتيين فلا سبيل إلى الحكم بينهما إلا من طرف ثالث ويكون مرجعه في ذلك تقديره على ضوء أيهما أقرب إلى الموضوعية.
كثير من المواضيع الخلافية في (العروض) كما في (علم العروض) يمكن توزيعها بين هذين الاعتبارين.
من الأمور الموضوعية في العروض ما يخص المكانفة ( جزك ) في مفعولاتُ في المنسرح .
الموضوعي : ما ذكره د. محمد العلمي من أن بيتا واحدا فقط في الشعر العربي تضمن المكانفة في مفعولاتُ 2 2 2 1 في المنسرح
الذاتي أ – في غياب الوعي على منهج الخليل ومن ثم ارتباط ساعة البحور به ، تم اتخاذ هذا البيت دليلا على جواز ذلك.
الذاتي ب – في حضور الوعي على منهج الخليل فإن المكانفة بين سببي المحورين 11، 10 من دائرة ( د – المشتبه ) ممتنعة ويجوز فيهما المعاقبة سواء في الخفيف أو المنسرح وللمزيد ،
https://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/muaaqabah
طبعا أنا أرى رأيي تجاه هذه القضية في الرقمي موضوعيا ولكني لست مؤهلا كطرف لأكون حكما، ولذا يبقى رأيي ذاتيا بالنسبة للقارئ .
فيما يلي مثال آخر
***
http://aijh.modares.ac.ir/pdf_7092_2ad41e2fea7f4d9e51c4134ad7f5971b.html
وأنقل منه :
يتناول موضوع البحث النسق الإيقاعي الذي تشتمل عليه مقاطع وجمل وآيات القرآن الكريم ودورها في
استحداث وتشكيل أوزان الشعر العربي التي ظهرت بعد الإسلام ، حيث كان الشعر الجاهلي يفتقر إلى
أربعة أوزان من البحور الستة عشر التي اكتشفها الخليل بن أحمد الفراهيدي في أوائل القرن الثاني الهجري
، والأوزان التي لا نكاد نجد لها أثراً في العصر الجاهلي هي: المضارع والمقتضب والمجتث والمتدارك.
ومن خلال إيراد مقاطع وعبارات قرآنية تتسم بإيقاعات نغمية متعددة تتوافق وتتناغم مع جميع أشكال
الشعر العربي في إيقاعاته وأنغامه، وخاصة البحور الأربعة أعلاه حاول البحث إثبات مدى تأثر الشعراء
بالنمط الإيقاعي للقرآن الكريم في توصلهم إلى هذه البحور واستكشافها، وإضافتها إلى عروض الشعر
العرب

فهذه الأوزان الجديدة نجد نظائرها في سياق العديد من
الآيات القرآنية الشريفة.
فنظير المضارع الذي وزنه (مفاعلين فاعلاتن) نجد على
سبيل المثال، قوله تعالى:
« يُضاعَفْ له العذابُ»
و« ومن يُوْقَ شُحَّ نَفْسِهِ»
و«ألَمْ يأتِكُمْ نذير»
و «على ربِّهِ ظهيرا».
ونظير المقتضب الذي وزنه (مفعولاتُ مستفعلن) قوله تعالى:
«كلّما أضاءَ لَهُمْ»
و«ماله و ما كَسَبَ»
و«إذْ يقول قائلُهُمْ»
و نظير المجتث الذي وزنه (مستفعلن فاعلاتن) قوله تعالى:
«واصبر على ما أصابــك»
و«فما استطاعوا مضيّا»
و«وهو العليُّ العظيم»
و«واالله خيرٌ وأبقى»
و«ادعوا ثبوراً كثيراً»
الذي وزنه: ( فعلن فعلن فعلن و نظير المتدارك المشَعَّث
فعلن)، قوله تعالى: «إنّا أعطيناك الكوثر»

وقد كان لعصر صدر الإسلام نصيبه من تلك الأوزان الجديدة، التي لا نعدم تأثير القرآن المباشر أو غير المباشر في
ولادتها. فقد ولد فيه منها وزنا المقتضب والمتدارك. حيث تناقلت كتب العروض و الأدب روايتين، اختصّت إحداهما
بوزن المقتضب والثانية بالمتدارك. وقد استدل من خلالهما على أن ظهور هذين الوزنين لأوّل مرة كان خلال هذا
العصر .أما الشعر الجاهلي المدوّن فلم يرد فيه شيءٌ منهما.
وزن المقتضَب يبدو أنّ وزن المقتضب كان مفقوداً في الشعر الجاهلي؛ فقد أنكر الأخفش أنْ يكون من شعر العرب، و زعم أنه لم يُسمع منهم شيءٌ منه، إلاّ انه ادّعى بان هذا الوزن كان قد سمع على؛و ذلك أن جارية قالت: عهد رسول االله(ص) بالمدينة هَلْ عليَّ وَيْحكُما إنْ لَهَوْتُ مِنْ حَرَجِ ، فقد جاء وفي الأغاني وردت الرواية بشكل أكثر تفصيلاً فيه عن ابن عباس (رض) قوله: «مر النبيّ (ص) على حسّان بن ثابت و هو في ظلٍ فارعٍ وحوله أصحابه وجاريته سيرين تغنِّيه بمزهرها: هَلْ عَلَـيَّ وَيْحَكُما إنْ لَهَوْتُ مِنْ حَـرَجِ . فضحك النبيُّ (ص) ثم قال: (لا حَرَجَ أنْ شاء االله)» فإذا صحّت هذه الرواية، وصحَّ أن هذا البيت قد غنّتْه سيرين- وهي جاريه فارسية على الأرجح- فسوف يطرح احتمال آخر نفسه أمام البيت، وهو إمكان انتقال هذا الوزن من ألحان الفرس وأنغامهم إلى الشعر العربي، حيث غدا تأثير الغناء الفارسي جلياً في الشعر الأموي والعباسي. وبغض النظر عن طبيعة هذه الرواية والاختلاف في نقلها، فان هذا البيت إذا صحّت نسبته إلى عصر صدر الإسلام، فسوف لن يكون أمامنا خيارٌ سوى الإقرار بان وزنه (المقتضب) لابد أن يكون من مبتكرات هذا العصر ومن منجزاته. مادام لم يصل إلينا منه شيء في الشعر الجاهلي. وما دمنا قد عثرنا على نظائره من حيث الإيقاع في ثنايا جمل القرآن وآياته. ولكن بقي أن نذكر بان الأخفش إذا كان قد أصرَّ على عدم ورود هذا الوزن عن العرب الجاهليين، فان الزجاج قد زعم بأنه قليل، حتى انه لا يوجد منه قصيدة لعربي، وإنما يروى منه البيت أو البيتان، ولكنه أردف بالقول: ولا ينسب بيت منه وهكذا إلى شاعر من العرب، ولا يوجد في أشعار القبائل.

فعندما نعرّج على كتب الأدب لا نجد على هذا الوزن سوى البيت الآنف الذكر، حتى نصل إلى زمن الخليل الذي يُنسب إليه شاهدٌ نظمه على هذا الوزن، و هو قوله:
أعرضتْ فلاحَ لَـنا.... عارضـانِ كالبَـرَدِ
وزن المتدارك والوزن الآخر الذي طلع علينا بعد الإسلام هو المتدارك، حسب الرواية التي نقلها ابن الخطيب التبريزي المتوفى سنة )٥٠٢هـ) حيث قال: (ويُحـكى أنّ علياً عليه السلام سمع صوت الناقوس ، فقال لمن معه من أصحابه[ جابر بن عبد االله الأنصاري]: أتدري ما يقول هذا الناقوس ؟ فقال : االله ورسوله وابن عمه أعلم. فقال: إن علمي من علم رسول االله صلّى االله عليه وآله وسلّم ، وإن علم رسول االله صلّى االله عليه وآله وسلّم من علم جبرائيل ، وإن علم جبرائيل من علم االله ، هذا ٥٨الناقوس يقول
: حـقّاً حـقّاً حـقّاً حـقّا صِدقاً صِدقاً صِدقاً صِـدقا
يا ابنَ الدّنيا جمعـاً جمعـاً إنّ الدنيـا قـد غَرّتنـا
يا ابنَ الدّنيا مهـلاً مهـلاً لَسـنا ندري مـا فَرّطنـا
ما مِن يـومٍ يَمضـي عَنّـا إلا أوهـى مِنّـا رُكنــا
ما مِن يـومٍ يَمضـي عَنّـا إلا أمضَى مِنّـا قَرنــا
) فَعْلن فَعْلن فَعْلن فَعْلن فَعْلن فَعْلن فَعْلن فَعْلـن وكما نرى فإنّ هذه الأبيات على وزن (فَعْلن × ٨( أي المتدارك ، وقد أطلق عليه العروضيون اسم ما يسمى بمشعّث
لمشاكلته لهما في الإيقاع، (قطر الميزاب) و (ضرب الناقوس) وكذلك فإنه يُشاكل تماماً الآية القرآنية المباركة: (إنّا أعطيناك الأمر الذي يُعزِّز - فيما لو صحّت نسبة الأبيات الكوثر) إلى الإمام علي (ع) - كونه استوحى هذا الوزن - بغض النظر عن دقّة الناقوس - من هذه الآية الشريفة، أو ربما من كليهما معاً. ومما يدعم كون هذين الوزنين (المقتضب والمتدارك) هما من بركات التأثر بالإيقاع القرآني أنّ النموذجين المشار إليهما يعودان إلى صدر الإسلام أوّلهما ترتبط روايته بالنبي (ص) والثاني بالإمام علي (ع). وكذلك التأثير الكبير للقرآن الكريم في حياة المسلمين آنذاك. هذا وقد امتد تأثير الإيقاعات القرآنية إلى أوزان الشعر العربي في العصور اللاحقة أيضاً حيث استحدثت أوزان جديدة كالمجتث في العصر الأموي، وشاعت أوزان أخرى كالمضارع والمقتضب وغيرها في العصر العباسي وما يليه. وما دمنا قد عثرنا على إيقاعات هذه الأوزان في ثنايا الجمل القرآنية فلا غرو أن تكون هذه الأوزان قد ولدت بتأثير منها مباشر كان هذا التأثير أو غير مباشر، بوعي من الشعراء أو بدون ذلك. نتائج البحث يمكن إجمال النتائج التي اهتدى إليها البحث بما يلي
: ١- إن البحور الستة عشر التي توصل إليها العروضيون في القرن الثاني الهجري لم تكن جميعها مما وصل إليهم من العصر الجاهلي.
2 -إن جميع صور الأوزان الشعرية أو البحور الستة عشر لها ما يماثلها من إيقاعات في ثنايا الآيات.
٣- إن اشتمال الآيات القرآنية على إيقاعات شبيهة بإيقاعات أوزان الشعر العربي لا يكون مدعاةً لإلصاق صفة الشعر به
. ٤- إن أربعة بحور - على الأقل- من بحور الشعر العربي، هي المضارع والمقتضب والمجتث و المتدارك إنما قُدر لها أن ترى النور، وتظهر إلى الوجود ببركة توفر الجمل والآيات القرآنية.

على الإيقاعات المتنوعة، و بفضل تأثر الشعراء هبا.
٥- إن بحري المقتضب والمتدارك قد تم استحداثهما في صدر الإسلام الأول.

كل ما تقدم موضوعي بمعنى أنه مستند إلى واقع أو أن الخلاف حوله يمكن أن يرجع فيه إلى الواقع.
باستثناء ما ورد كتب بالأحمر فلا دليل عليه فهو ربط ذاتي لا تلزم صحته غير قائله.
ويرد عليه في المقايل
1- بأن الأوزان في كل كلام عربي لا متناهية، ولو كانت هذه الأوزان قد جاءت بتأثير القرآن الكريم لكان حريا أن يأتي غيرها كذلك مما لا يوافق بحور العرب.
2- وجود هذه البحور على دوائر الخليل مع موافقتها لمنهجه هو تفسير قبول العرب لها دون سواها.
3- تأمل :

خذ قوله تعالى في الآية الخامسة: "بعثـ(ـنا عليكم عبادا لنا أولي) بأس شديد " كرر ما بين القوسين (2 3 2 3 2 3 3 ) وهذا ليس وزن أي بحر من بحور الشعر، فلنركب عليه كلاما:

ربنا واحد والدنا مَمَرْ -- خاب من تحتويه غداً سقرْ
ليس للمرء غيرُ اكتسابه -- والتّقى خيرةٌ والضلالُ شرْ

فإن قيل هذا شعر قلنا هذا ليس قرآنا، وهو مجرد ترديد لا غير لوقع أو نمط واحد لم يتكرر، ولكن بتكراره وإلزامه القافية أعطياه الشكل الشعري، وعلى حد علمي فهذا ليس المتدارك. فلا بأس إذن ولا حرج من الانطلاق إلى الآيات الكريمة لدراستها من كل جوانبها بما فيها نمطها السمعي ، آملين بأننا سنجد من الإعجاز في هذا المجال ما وجدناه في جوانب القرآن المتعددة من إعجاز في التشريع والعلوم والبلاغة وسائر المجالات.

4- لقائل أن يقول ن اقتران ورود وزن ما في القرآن الكريم مع موافقته لدوائر الخليل هو الباعث للنظم عليه ومن ثم نجاحه، وهذا قول ذاتي ثالث .
ولكني على العموم أعتقد أن لا تأثير للقرآن الكريم في تبني العرب لوزن دون وزن وأن قول من قال بذلك كما هو قولي أيضا قولان ذاتيان.