بسم الله الرحمن الرحيم
الشعر والقرين
د. ضياء الدين الجماس
الشعر كلام مزخرف بالوزن الإيقاعي الذي يستميل النفس ، وحسنه حسن وقبيحه قبيح ، وهو قول يتضمن حقيقة ، وبحسب هذه الحقيقة يحاسب عليها صاحبها يوم الحساب إن خيراً فخير، وإن شراً فشر عقاب يتناسب مع درجة ما سببه من أذى للناس وعذاب.
ولكل إنسان – حسب الشرع- قرينان أحدهما من الملائكة (اسمه ملهم) وهو يعين المقترن به على إلهام قول الحق ( نثراً أو شعراً) والعمل به. والآخر من شياطين الجن (اسمه الوسواس) هدفه توريط قرينه من الإنس على قول الباطل ( نثراً أو شعراً) والعمل به من المعاصي.
الدليل من الأحاديث الشريفة
(عن ابن مسعود رضي الله عنه : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن ، وقرينه من الملائكة : . قالوا : وإياك يا رسول الله ؟ قال : وإياي ، ولكن الله أعانني عليه فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير " رواه مسلم .)
جاء في شرح الحديث :
( ما منكم من أحد ) : ما نافية ، ومن زائدة لاستغراق النفي لجميع الأفراد ، أي : ما أحد منكم ( إلا وقد وكل به ) : على بناء المجهول لأن فاعله معلوم من التوكيل بمعنى التسليط ( قرينه من الجن ) أي : صاحبه منهم ليأمره بالشر ، واسمه الوسواس ، وهو ولد يولد لإبليس حين يولد لبني آدم ولد ، وقوله : ( وقرينه من الملائكة ) أي : ليأمره بالخير ، واسمه الملهم ، ذكره الحميدي في كتابه ، والصغاني في المشارق عن مسلم ، كذا نقله الطيبي . ثم الحكمة في ذلك ظهور خسة العاصي ، وشرف الطائع ( قالوا : وإياك يا رسول الله ) أي : لك قرين من (شياطين) الجن ؟ ( قال : ( وإياي ) أي : ولي ذلك ، لأن الخطاب في منكم عام لا يخص المخاطبين من الصحابة بل كل من يصح أن يخاطب داخل فيه كأنه قيل : ما منكم يا بني آدم من أحد ، وهذا إن قلنا إن المتكلم لا يدخل في عموم الخطاب ، ( ولكن الله أعانني عليه ) أي : بالعصمة ، أو بالخصوصية ( فأسْلَمَ ، فأسلمُ ) : بضم الميم ، أو فتحها في جامع الترمذي قال ابن عيينة : فأسلم بالضم أي : أسلم أنا منه ، والشيطان لا يُسْلم ، وفي جامع الدارمي قال أبو محمد : أسلمَ بالفتح أي : استسلم ، وذل ، وانقاد ، والخطابي ذهب إلى الأول ، والقاضي عياض إلى الثاني ، وهما روايتان مشهورتان . قال التوربشتي : الله تعالى قادر على كل شيء فلا يستبعد من فضله أن يخص نبيه هذه الكرامة أعني إسلام قرينه ، وبما فوقها . قيل : ويؤيده قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( فلا يأمرني إلا بخير ) : قلت : الأظهر أنه مؤيد للأول فتأمل ، وقيل أسلم : أفعل تفضيل خبر مبتدأ محذوف أي : فأنا أسلم منكم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجري بعض الزلات في بعض الساعات بوسوسة ، فيكون المراد بقوله : فلا يأمرني إلا بخير في أعم الأوقات كذا قيل ، وفيه نظر ، إذ يحتمل كون الوسوسة من النفس دون الشيطان ، وعن بعض المشايخ أن القرين من الجن ربما يدعوه إلى الخير ، وقصده في ذلك الشر بأن يدعوه إلى المفضول فيمنعه عن الفاضل ، أو أن يدعوه إلى الخير ليجره إلى ذنب عظيم لا يفي خيره بذلك الشر من عجب ، أو غيره ، ولذا قيل : معصية أورثت ذلا واستحقارا خير من طاعة أورثت عجبا واستكبارا . قال ابن حجر : الظاهر أن استبعاد سفيان لإسلامه إنما هو لكونه عفريتا ، لا لكونه من ذرية إبليس لما في حديث حسن : أن هامة بن إبليس جاء للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وذكر أنه حضر قتل هابيل ، وأنه اجتمع بنوح فمن بعده ، ثم طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن نقل السلام من عيسى فرد - عليه الصلاة والسلام - ، وطلب أن يعلمه شيئا من القرآن فعلمه الواقعة ، والمرسلات ، عم يتساءلون ، إذا الشمس كورت ، والمعوذتين ، قل هو الله أحد ، ( رواه مسلم ) .
- عن عائشة قالت سمعت رسول الله يقول لحسان: "إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله" ( مصافحات الإمام مسلم والنسائي)
الأدلة من القرآن الكريم :
- (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ 112 الأنعام)
توضح هذه الآية العلاقة بين مردة الإنس ومردة الجن من الإيحاء لبعضهم من القول المنمق المزخرف نثراً أو شعراً بقصد التغرير في ارتكاب المعاصي.
- (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ 221 تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ 222 يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ 223 وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ 224 أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ 225 وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ 226 الشعراء)
توضح هذه الآية أن الشياطين تتنزل على قلب كل كذاب مفتر آثم ومنهم الشعراء من غير المؤمنين الذاكرين، ليتبعهم الغاوون... فتأمل.
- (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا 83 مريم)
- (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ 36 الزخرف)
هاتان الآيتان صريحتان في علاقة الشياطين بالكافرين والبعيدين عن ذكر الله.
- (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ 30 نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ 31 فصلت).
تبين هذه الآية العلاقة بين الملائكة بالمؤمنين الذاكرين المستقيمين على شرع الله حيث تتنزل عليهم تبشيراً بالجنة بعد الموت وأن هذه الملائكة تتولى أمورهم بأمر الله تعالى في الدنيا والآخرة بما يصلحهم من قول وعمل.
أرجو أن تكون العلاقة اتضحت بين الملائكة والشياطين والبشر مما ورد في القرآن الكريم وحديث النبي صلى الله عليه وسلم.
والموضوع قابل للحوار لنزداد علماً
المفضلات