http://elbashayeronline.com/news-682757.html
تراجيديا سيبويه: جعلت العقاب "راضعاً" والعقار "قايلاً" للسقوط!
بقلم
محمد الخولى
عاش العم "سيبويه" حتى عام 796 للميلاد. كان تلميذاً للخليل إبن أحمد أستاذ علم العروض الشعرية. ولد "سيبويه" في نواحي شيراز الإيرانية ونشا في البصرة حيث فَقَه قواعد العربية الفصحى، ونبغ في هذا التخصص حتى أصبح – كما هو معروف- أستاذاً فى علوم النحو ومرجعية على مر التاريخ فى فصاحة العربية وبلاغة أدائها.
لماذا أصبحت ذكرى "سيبويه" شديدة الإلحاح على خواطرنا فى هذه الأيام؟
لأن اللغة العربية أصبحت كائناً مهيضاً مجروحاً فى أيامنا الصعبة الراهنة، لا على ألسنة العوام أو الأميين وأشباه الأميين فى مصر.. العربية كما تعلم، ولكن على ألْسنة السادة الذين حصّلوا قسطاً بل أقساطاً يؤبه بها من التعليم المدرسى بل والجامعى وفوق الجامعى على السواء.
والأكيد أنك طالعت معنا، فى أحاديث سبقت ما أوردته لافتات رفعها زينة الشباب الطالع الناهض من حاصلى الماجستير والدكتوراه الذين كانوا يطالبون بالتعيين قُصوة (الصحيح أسوة) بزملائهم من دفعة سنة كذا.. إلخ.
ثم ها نحن نزيدك من هذه الركاكة قدراً إضافياً حين قرأنا فى الآونة الأخيرة شكاوى مرفوعة إلى رئاسة الحى الفلانى فى المدينة العلّانية، ولاشك أن كتبها – على ألسنة السكان، نفر من جهابذة المحامين أو أشباه المحامين. والشكوى تحّذر من أن هذا العقار أو ذاك أصبح – كما تؤكد الشكوى السوبر- فصيحة – "قايلاً" (يقصدون آيلاً) للسقوط.
ألا يستحق هؤلاء اللوذعيون أن يتعرضوا لأشد إجراءات الحساب كى لا يظل "سيبويه" متقلباً على جمر الإحباط فى مثواه القديم بأرض الرافدين المثخنة بالجراح؟
نعم يستحقون أن يواجهوا عقاباً "راضعاً": هكذا كتب اللوذعيون أيضاً وكانوا يقصدون "عقاباً.. رادعاً". ولا حول ولا قوة إلا باللــه.
وإذا جاز لأحد – وهو لا يجوز أصلاً- أن يسوق ولو من باب التبرير أو التسويغ أو التخريج حججاً من قبيل أنهم شباب.. أو أن تعليم العربية أصبح مستضعفاً إزاء جبروت الإنجليزية وخاصة فى المدارس الأجنبية.. فنحن لا نجد أى مبرر لخيبة العربية بعد أن طالعنا ما احتوته لافتة طويلة عريضة مرفوعة- واخد بالك؟ فى أعلى مكان بمدخل الباب 14 المطل على النيل الخالد من مبنى تليفزيون ماسبيرو- نعم ماسبيرو الذى عشنا فيه زمناً رغداً أيام العمل فى إذاعة "صوت العرب" العتيدة حيث كانوا يحاسبوننا، كمذيعين، من واقع تقارير "مراقب السهرة" على أى هفوة مهما كانت بسيطة فى الإعراب أو فى سلامة النطق بالعربية الفصحى. أما اليافطة العبقرية المنصوبة فى تحدٍ لكل البشر فقد كانت تهنئ السادة العاملين فى قنوات وإذاعات ماسبيرو.. ثم "تتمنا" (المفروض بداهة "تتمنى") لهم جميعاً كل خير وسعادة.. وكل رفاه وأمان وطمان و.. إلخ.
ألا يستحق هؤلاء الذين كتبوا اللافتة بالخط النسخ المفتخر أن نطبّق عليهم عقاباً.. "راضعاً" (طبقاً لمبدأ الجزاء "الراضع" (الرادع) من جنس العمل الذى أساء إلى موقع "القِذاعات المصرية" (عفوا فالمقصود أصلاً هو "الإذاعات" بطبيعة الحال).. إلخ.
مع هذا كله فليس لأحد أن يشكو أو يتململ: لقد أتى على هذا الوطن الطيب حين من الدهر كان الفلاح يسير خلف حماره فى مسالك القرية.. بعد أن يحمل على كاهل الحمار أحمال السباخ أو البرسيم فيما يردد الفلاح أبياتاً من "وُلد الهدى" أو نهج البردة:
ريم على القاع.. بين البان والعلم
صراحة لم يكن عمنا الفلاح يفهم كل لفظة ولا كل معنى من هذا النظم الجميل.. لكنه كان يحلو له أن يترنم بصوته العميق الأجش بما كان يتناهى إلى سمعه، من راديو حضرة العمدة من نبرات الشدو الأجمل للست أم كلثوم.
أما أستاذ الجامعة وإن جئت للحق فالناس فى بلادى وبلادك معذورون..
كان الفلاح فى زمن مضى يستمع إلى "النيل الخالد" يشدو بها عبد الوهاب.. ويصغى إلى "الأطلال" تترنم بها أم كلثوم.. ويستقبل بالمحبة شدو "سعاد محمد" وهى تغنى: يا حبيبى يا رسول اللــه.
أما أستاذ الجامعة فى هذا الزمن الراهن فقد أصبح يستمع إلى حاجات غريبة منها الأنشودة العبقرية التى تقول:
• بحبك (وحاشاك) يا حمار !
أو يسمع مزيكا تكاد ترفع عصا التأديب فى افتتاحية أنشودة عبقرية بدورها وهى:
• قوم اُقف وانت بتكلمنى
وإلا...
فهو الويل والثبور
أو هو :
العقاب "الراضع".
ولا حول ولا قوة إلا بالعلى القدير.
المفضلات