السلام عليكم

ها هنا يغوص شاعر في ألوان الوجع الإنساني العام.
بدءا من رمزية العنوان الذي قرر فيه أن يخرج اللفظ من خصوصية الحدث ( سوريا ) إلى عمومية الموقف الانساني ( السند ) فكأن اللاتعيين في تحديد الموضوع يضعك أمام حقيقة الخذلان الإنساني العام . . حقيقة فاضحة .
لا أدري إن كان الشاعر يوافق على فهمي للنص بهذه الطريقة . .ولكنني تلمست هذا الإسقاط للخذلان البشري إزاء الموت السوري من عبارات أسس فيها الشاعر لواقعية الحدث وعمومية رد الفعل البشري ( الخذلان ) مثل ( مج الكون ) في البيت الأول :

لاهٍ عن الموتِ ..مجَّ الكونَ منطرحا=ما هــالهُ اليـــأسُ في إذبالــهِ انفتحا
ثم في ( ما نزحا) في البيت الثالث وهنا صورة الموت على الظمأ وعلى تمثل ألم النزوح حتى آخر لحظة في الحياة

ظمــآنَ يهذي وموجُ العينِ يُغرقهُ=ما زُحزِحَ الدمعُ من عينيهِ ..ما نَزحا
يا للشاعر وكأنه يشرح ألم النازح السوري ( البرد ) في لحظات غرغرة الروح . .( يا لهفة الدفء ) في البيتين الرابع والخامس
يا لهفةَ الدفءِ في شريانِ راحتهِ=مُدّتْ فكانت غريقاً آخراً وضحا
مُدّتْ وسمّرها في البُؤس أن بَرحت=تُسامرُ اليأسَ إذ تستعطفُ الشبحا

فانظر إلى " تُسامرُ اليأسَ إذ تستعطفُ الشبحا " فهذا الشبح = الوهم .هو تمثيل لخيبة الأمل في أن يثير الاستعطاف انفعالا أو رد فعل .
ويصبح الإسقاط أكثر وضوحا في البيت السابع
يَرثي المئين َ من الأحباب لحّدَهمْ=بالطمي صيّر من أجسادهم صُرحا
وإن كانت لدي إشارة استفهام حول تسكين الراء أوتحريكها لضرورة القافية في ( صرحا ) .

ما يَشربُ الماءَ إلّا ذكرهم غدقٌ=بالموتِ والغصةُ الكبرى إذا رَشحا
ما حرّك الكأسَ إلا في الردى سكنت=روحٌ به قد رأت أجسامهم .. قَدحا
يا ( سِند ) ..يا غرغرات الروح يا ألماً=يا هجرةً لركاب الثُكلِ قد كُســــــــحا
لقد أحسن الشاعر متابعة خلجات النفس في التوحد مع ألم الجماعة وهنا يعيد للشعور بالانتماء للجماعة تأثيره . .فكأنني أستشف أن الصفعة لا تؤلم إلا من يتلقاها . . ولا يشعر بالوجع إلا المكلوم ولا بالحرمان إلا المحروم .

حُمَّ الخلاصُ .. يَموتُ الطفلُ من ظمإٍ=والماءُ قد ألجمَ الأفواهَ قد نضحا

قد حاصرتهم فلول السيلِ واحتشدت=جندُ الوباءِ فكان الموتُ من طفحا
الجوعُ والداءُ والإجهادُ صَبّحهم=بالنازلاتِ .. فليلُ
المبتلين ضحى
أعجبتني صور كثيرة من أشدها تأثيرا في نفسي " فليلُ المبتلين ضحى "

ذاقوا الأمرّينِ ..ضيقُ الحالِ ..أثقلهم=شُحُّ المُعينِ ... وبذلٌ كفَّ وانكبحا . . . . هل أنت سوري أستاذي الكريم ؟
قبحاً لنا والملايين التي صرخت=بالغوثِ قابلها جودٌ وقد قَبُحا . . . . لا لست سوريا . .ولكنك شاعر يخرجك الشعر من حدود انفصالك كفرد إلى التحامك بالإنسانية .
عدوا الكنوزَ التي في اللهوِ نحرقها=هل دِرهمٌ يَجلبُ التفاحَ والبلحا ؟!
لقد كان الرابط الديني ( الإسلام ) أقوى وأعمق رابط إنساني . .
هبّوا بني الدين ذاك الغصنُ يَقطعهُ=في أصلنا شفراتُ الغيّ إذ فَدحا
للهِ قُطـــرٌ من الإســــلامِ ندفـــنهُ=من بعدِ أن دفن الغاوونَ من صَلحا
لكن ما الذي بقي من قوة وعمق رابط الإسلام أستاذي الكريم ؟
يا رب عفوكَ .. ما بانت مصارعنا=إلا بذنبٍ .. دعونا خيرَ من صَفَحا
أسجل إعجابي واحترامي بهذا التناول الشعوري الحار وبهذه الوجدانية العالية . جزاك الله خيرا أستاذ معين
أحييك شاعرا