يتدخل التقييم الجمالي الذوقي بمعاييره ذات الطابع النسبي التي تختلف من متلق إلى آخر في الحكم على النص الأدبي بامتلاكه للموسيقا الداخلية أو افتقاره إليها . . فموسيقا الشعر تشمل الإيقاع الخارجي و الوزن و القافية و هي مفاهيم ظاهرة في الشعر الموزون لا تحتاج إلى نظرة عميقة فيه بعد تقطيعه عروضيا . وتشمل ما تبقى من موسيقا الكلام سواء أكان شعرا أو نثرا كجرس الأحرف والألفاظ ونسبة مقاطع المد في البيت الشعري ومواضع التشديد أو الإشباع (النبر) وقصر الألفاظ أو طولها ، واتصال الألفاظ بأدوات الوصل وأحكامه أو تقطعها وانفرادها، وقصر التراكيب اللفظية أو طولها . فكل ذلك يدخل في موسيقا الكلام وكل ذلك يؤدي دورا في إحداث شعور بوجود التناغم والانسجام في السياق اللفظي أو عدم وجودهما . كما يظهر مدى التناسب بين إيحاء الصورة الشعرية والتعبير اللفظي الذي يرسمها . .
فمثلا : جرس الأحرف : تنتج المفارقة فيه عن الفرق في الحس الشعوري بين أن نسمع ترددات أصوات أحرف الهمس ( ز..ذ ..س ..ص ..) و أحرف القوة والجلجلة ( ق..ط.. ج..ض .. إلخ ) فأحرف الهمس تزيد من عذوبة وسلاسة الألفاظ التي تشكل الصورة الشعرية الرومانسية في حين تؤدي إلى الشعور بالترهل في تشكيل صورة الغضب شعريا .
كما أن تقطع الألفاظ وقصرها يفيد في إثارة التوتر والقلق عند المتلقي أكثر من تماسك الألفاظ واتصالها الذي يحدث الانسيابية والاسترسال في الصوت مما يولد مشاعر الاطمئنان والتمكن .

كل تلك التأثيرات تدخل في باب موسيقا الشعر الداخلية ولا تدخل في باب الإيقاع الداخلي للشعر لأن هذا الباب غير موجود في الحقيقة . . ونحن كمتلقين نستقبل كل ذلك عبر وقع ألفاظ الكلام في أسماعنا أو في خيالنا السمعي عند القراءة دون أن نحتاج للتقطيع العروضي مما يعني أننا خارج حقل القاعدة الرياضية الصارمة والدقيقة التي تنظم التكرار (الكم ) والتناوب للمقاطع الصوتية . .بل نحن في حقل من التذوق الذاتي ذي الأبعاد النسبية التي تختلف في عمقها بين لحظة وأخرى مع اختلاف استغراقنا فيها. فمن الحري بنا أن ننسب للموسيقا كل تأثير حسي نتجاوب فيه نفسيا تجاوبا فنيا جماليا . . . يتبع