المسيحيون العرب عرب
رجا مطر


جريدة السفير

مقدمة:
هذا مقال كتبه عربي يعيش في الولايات المتحة الأمريكية.
معارفه في الثقافة العربية متواضعة كما نرى في عده لعمر بن أبي ربيعة شاعراً جاهلياً مسيحياً.
ولكن المقال جدير بالقراءة مع ذلك.
وهؤلاء المسيحيون الذين يواجهون النزعات الانعزالية والعميلة لبعض المسيحيين الانتهازيين جديرون بالدعم.
وقد كان من أنشطهم في أمريكا الأستاذ الكبير إدوار سعيد الذي كان لوحده، وهو المسيحي، أنفع من حيث التأثير في ميدان الدفاع عن الإسلام في الغرب من جيش كامل من الأجهزة الإعلامية العربية العاجزة التي تصرف عليها الملايين ثم تكون وبالاً علينا بدلاً من أن تنفعنا.-محمد

تلقيت عبر البريد الالكتروني قبل أسابيع مقالاً للدكتور وليد فارس بعنوان: <<العرب المسيحيون، من هم؟>>. اعتبرته في بادئ الأمر غير مترابط منطقياً، لكني تنبهت في وقت لاحق إلى أن الدكتور فارس يروج لأفكار شاذة حول المسيحيين العرب في المحاضرات التي يلقيها والحوارات التلفزيونية التي يشارك فيها في الولايات المتحدة، مشككاً بعروبتهم ومدعياً اضطهادهم على أيدي المسلمين. كوني مسيحياً عربياً، أرغب في أن أستخدم بعض وجهات نظر الدكتور فارس كمدخل لإلقاء الضوء على الكذب الذي ينشره، وآخرين، تحت رداء الدراسات الجامعية. من المحزن أن العديد من هؤلاء النشطاء المعادين للعرب ينطبق عليهم وصف <<عرب كارهين لأنفسهم>>.
لطالما كان المسيحيون العرب موجودين في الشرق الأوسط، وقبل ظهور الإسلام. وهم يعدون في لبنان اليوم حوالى 1,3 مليون (نحو ثلث عدد السكان) وتتشكل أكثريتهم أساساً من الطائفة المارونية. ويعدون في سوريا نحو مليونين (حوالى 10 في المئة من عدد السكان) وبينهم عدد كبير من الموارنة. وفي مصر يعد المسيحيون، ومعظمهم من الأقباط، 4,5 ملايين أو حوالى 6 في المئة من عدد السكان. هناك مليون مسيحي في العراق من طوائف متعددة أو حوالى 4 في المئة من السكان. قد يكون عدد المسيحيين في فلسطين والأردن حوالى 600 ألف، لكن الكثير من التحولات السكانية قد جرت لدرجة بات من الصعب المغامرة بتقدير يمكن الاعتماد عليه.
يؤدي المسيحيون في لبنان وسوريا وفلسطين دوراً رائداً في إعادة إحياء الثقافة العربية من حالة السبات التي كانت عليها أيام العثمانيين. تدين نهضة الثقافة العربية بالكثير إلى العديد من العلماء المسيحيين العرب الذين كانوا بين الرواد في تشكيل الهوية القومية العربية. كان دور الموارنة، على وجه الخصوص، ذا أهمية ثقافية أساسية. إنهم، في لبنان، العمود الفقري لتعدديته الثقافية. علق طالب سعودي صديق لي ذات مرة بالقول إنه لو لم يوجد الموارنة لكان علينا ابتداعهم.
كانت هناك ادعاءات عرضية بأن الموارنة يمكن أن يتعقبوا أصولهم إلى الفينيقيين. إنها أسطورة تستهدف إبعاد الموارنة عن جذورهم العربية. كان الموارنة يقطنون وادي العاصي في سوريا. يتحدرون، على الأرجح، من قبائل عربية لم تتحول أبداً إلى الإسلام. يقول المؤرخ اللبناني كمال الصليبي <<من الممكن جداً أن الموارنة، كجماعة من أصول عربية، كانوا بين آخر القبائل العربية المسيحية التي وصلت إلى سوريا قبل الإسلام. كانت العربية لغتهم، بالتأكيد، منذ القرن التاسع، ما يشير إلى أنهم نشأوا كمجموعة قبلية عربية ... أما واقعة أن السريانية تبقى لغة طقوسهم الدينية، فهي بلا دلالة. كانت السريانية، وهي الشكل الأدبي المسيحي للآرامية، في الأصل، لغة الطقوس الدينية لجميع الطوائف المسيحية العربية والآرامية العربية، في الجزيرة كما في سوريا والعراق>>. ويفيد الصليبي أيضا بأن البطريرك أسطفان الدويهي، وهو مؤرخ ماروني من القرن السابع عشر، يشير إلى أنه <<كان على الموارنة أن يغادروا وادي العاصي إلى جبل لبنان نتيجة للاضطهاد البيزنطي وليس المسلم>>. ويمضي الصليبي إلى الأمام ليقول إنه <<بين العامين 969 و1071، كان البيزنطينيون من يسيطر فعلياً على وادي العاصي. لا بد أنهم عرّضوا الموارنة إلى ما يكفي من الاضطهاد لإجبارهم على ترك المكان والانضمام إلى رفاقهم في الدين في جبل لبنان. غير أن الطائفة قد تمكنت من النجاة في حلب المسلمة وهي لا تزال هناك حتى يومنا هذا>>.
آمل بأننا نستطيع أن نقضي على أسطورة أن الموارنة من سلالة الفينيقيين؛ فالفينيقيون عاشوا بشكل أساسي على سواحل لبنان وسوريا. إذا أراد المرء أن يسخر من الموضوع فإن خلف الفينيقيين هم سكان السواحل، ومعظمهم من السنة. بأية حال، كتب المؤرخ اليوناني هيرودوت، في القرن الخامس قبل المسيح، أن الفينيقيين أنفسهم هم من القبائل العربية من الشواطئ العربية للبحر الأحمر.
يشير الدكتور فارس، في مقاله، إلى <<مذبحة للأقباط في مصر>>. إنه اتهام خطير ومضلل. يعني تعبير <<مذبحة>> قتلاً منظماً وممنهجاً لمجموعة عرقية عادة ما يكون مشرعاً بواسطة الحكومة. قد تكون هناك اشتباكات طائفية عرضية، لكن لا يزال علي تقديم سجل تاريخي لتثبيت أن الأقباط، أو غيرهم من المجموعات الغربية المسيحية، كانوا هدفاً لمذابح. (المذبحة الوحيدة المسجلة ضد مسيحيين كانت في جبل لبنان في العام 1860، وأصل ذلك الحدث المؤسف ثورة اجتماعية قام بها الفلاحون الموارنة ضد أسيادهم الدروز). كانت المذابح من اختراع الحكام المسيحيين لأوروبا، وقد وجهت في غالبيتها ضد اليهود، وهو ما يدفع الفلسطينيون العرب، مسيحيين ومسلمين، ثمنه فيما مسيحيو الغرب يحاولون التكفير عن ذنوبهم على حسابهم. أنتجت عقدة الذنب الغربية هذه، والتي غذتها على الدوام الدعاية الصهيونية، صمتاً مطبقاً على الفظاعات التي ارتكبتها إسرائيل على مدى الأعوام ال60 الماضية.
يشار غالباً إلى أن أقباط مصر هم أحفاد الفراعنة. لكن الكثير من مراحل التاريخ قد انقضت بين اختفاء الفراعنة ومجيء الإسلام إلى حد يبدو هذا الادعاء موضع تساؤل. وفي أية حال، يمتلك مسلمو مصر الحق نفسه في هذا الادعاء وإن كان الهدف منه إثارة لانشقاق ثقافي.
يدعي المقال المذكور أيضا أن المسيحيين الذين لا يزالون في فلسطين <<يختبرون أحد أكثر خياراتهم قساوة: الاستسلام إلى الأسلمة، أو ركوب السفينة المسيحية الشرق أوسطية>>. إنه تحريف فظيع للحقيقة. ليست معاناة مسيحيي فلسطين بأيدي المسلمين، وإنما بأيدي الإسرائيليين، وما الرصاصة التي استقرت في تمثال السيدة العذراء في كنيسة المهد في بيت لحم إلا شهادة صارخة على هذه الحقيقة. نشهد أمام أعيننا النزع التدريجي للصفة المسيحية والإسلامية عن القدس العربية بسبب الإجراءات الإسرائيلية المتواصلة الرامية إلى تدمير الطابع العربي للمدينة عن عمد، وذلك في وقت يظهر العالم الغربي، تتقدمه الإدارات الأميركية المتعاقبة، لا حساسية مطلقة، إن لم يكن قبولاً تاماً، لهذه الجريمة الديموغرافية.
يقول الدكتور فارس إن المسلمين <<يصورون هؤلاء الذين أقاموا دولتهم الوطنية، إسرائيل، على أنهم شياطين>>. يبدو أنه يعتقد، مع الكثيرين غيره، أن يهود فلسطين كانوا طائفة كبيرة شتتها الرومان وهي تسعى الآن إلى العودة إلى <<وطنها>>. وفقاً لخبير الآثار الإسرائيلي، إسرائيل فينكلستاين، في كتابه الضخم <<الإنجيل غير المكتشف>> (2001)، لم يكن اليهود أبداً طائفة كبيرة، ولم يكن لديهم أبداً مملكة حقيقية، ولم يكونوا أبداً في مصر (الخروج من مصر ليس سوى أسطورة). كان عدد اليهود الذين شتتهم الرومان صغيراً جداً؛ غالبية اليهود بقيت في فلسطين، بعضهم تحول تدريجياً إلى المسيحية، وبعضهم الآخر، في وقت لاحق، إلى الإسلام.
ليس لدى هذا العدد الضخم من اليهود، الذين يتدفقون منذ عقود إلى فلسطين تحت ما يسمى ب<<حق العودة>>، أية صلة قرابة يمكن برهنتها مع السكان اليهود لفلسطين أيام الرومان. يتحدر المستوطنون المتعصبون، خاصة من ذوي الأصول الأوروبية الشرقية أو الروسية، الذين يدعون العودة إلى <<أرض أسلافهم>>، من قبائل الخزر في جنوبي روسيا التي تحولت إلى اليهودية حوالى العام 740. انهارت إمبراطوريتهم عقب هزيمتهم على أيدي الروس في أواخر القرن العاشر وانتشروا في أوروبا كلها.

ولدت الصحراء العربية والمناطق المحيطة بها عدداً من القبائل والحضارات: الفينيقيون والسريان والكلدان والآراميون واليهود والكنعانيون... خرجت هذه القبائل، بصورة متواصلة، من الصحراء وانتقلت للإقامة في المناطق الخصبة في الشرق ووادي النيل. كانت لغاتهم متشابهة جداً إلى حد يمكن للمرء أن يقول إن أصلها لغة واحدة. حتى في أيامنا هذه، لا يزال هناك الكثير من التشابه بين اليهودية والعربية. كانت لهذه القبائل ديانات مختلفة. في مرحلة ما كانت غالبيتها وثنية وبعضها يهودي. ومع ظهور المسيحية أصبح بعضها مسيحياً. إذاً المسيحية ليست تسمية عرقية وإنما ديانة اعتمدها العديد من هذه القبائل. كان العديد من الشعراء العرب العظماء ما قبل الإسلام مسيحيين (بينهم امرؤ القيس وعمر بن ابي ربيعة وطرفة ابن العبد).
تسمى اللغة المهيمنة في العالم العربي حالياً اللغة العربية، لكنها ليست أكثر من لهجة إحدى القبائل العربية الرئيسة، قريش، والتي أصبحت لغة القرآن. انتشرت هذه اللغة كالنار في الهشيم في سوريا ولبنان والعراق وفلسطين وشمالي مصر لأن سكان هذه المناطق كانوا عملياً يتحدثون لهجات من اللغة نفسها.
لقد تم تعريب ما كان يعرف ببلاد الشام (أو سوريا الكبرى، إذا رغبتم)، قبل الإسلام بزمن طويل. يقول الصليبي <<يبدو أن جبل لبنان كان مسكوناً بكثافة، منذ ما قبل الإسلام، من قبل قبائل عربية>>. ويضيف أن <<القول إنه تم تعريب السوريين بعد احتلال المسلمين العرب لبلدهم أمر غير صحيح ببساطة، لأن سوريا كانت مسكونة على نطاق واسع من قبل عرب، في الواقع مسيحيين عرب، قبل الإسلام بفترة طويلة>>.
عندما توسع الإسلام خارج الجزيرة العربية إلى ما يسمى الآن بالشرق الأوسط، كان معظم المسيحيين الشرقيين (الموارنة والنسطوريين والذين يعتقدون بطبيعة إنسانية واحدة للمسيح) في صراع سياسي ولاهوتي عميق مع البيزنطيين. تحول العديد منهم تدريجياً إلى الإسلام، بينهم أكبر القبائل العربية، بني تغلب، التي غيرت دينها في وقت ما من القرن العاشر. ربما وجدت هذه القبائل العربية المسيحية في الإسلام، بتأكيده على عدم تجزئة الله (لا إله إلا الله)، نسخة مبسطة لإيمانهم. لم تتضمن العملية أي إكراه. المعارك الوحيدة التي وقعت كانت مع البيزنطيين. تعاون معظم المسيحيين العرب، جميعهم في الواقع ما عدا طائفة واحدة كانت مرتبطة لاهوتياً بالكنيسة البيزنطية، بفعالية مع المسلمين، وقاتل العديد منهم إلى جانب المسلمين (يعود المثال القائل: أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب، إلى هذه المرحلة).
تمكنت الطوائف المسيحية المنشقة وهي قليلة العدد، بينها الأقباط والموارنة، من النجاة بل وحتى الازدهار تحت الحكم الإسلامي بينما اختفت نظيراتها في أوروبا المسيحية نتيجة للاضطهاد الرسمي لها. توصل العديد من البحاثة في سجلات الضرائب (الزكاة التي يدفعها المسلمون مقارنة بالجزية التي يدفعها غير المسلمين، وغالبيتهم من المسيحيين) للسنوات الأولى من الحكم الإسلامي لسوريا ومصر إلى نتيجة تفيد أن غالبية سكان سوريا ومصر كانت، في أواخر القرن ال12، أي بعد ظهور الإسلام بقرون، مسيحية، وهو ما لا يشير إلى وجود أي إكراه لاعتناق الإسلام.

هل هناك شيء يسمى العرق العربي في الوقت الراهن؟ لا أعتقد ذلك. لا توجد أية مجموعة من الناس في العالم يمكن أن تدّعي صفاء العرق، باستثناء ربما بعض سكان الجزر النائية. لنأخذ مثلا فرنسا الفخورة بثقافتها وتاريخها وإرثها الأخلاقي. معظم سكان جنوبي فرنسا من أصول إيطالية؛ أما سكان الغرب فهم من أصول باسكية؛ شمالا تجد البروتون والنورمان؛ أما باريس فكانت جنة للاجئين على مر العصور؛ حتى نابوليون، الذي يبجله الفرنسيون، كان من كورسيكا الفرنسية الإيطالية. هل يمكن للمرء أن يدّعي أن هناك شيئاً، اتنياً، اسمه العرق الفرنسي؟
غير أن هناك شيئاً يدعى الثقافة العربية. بمعزل عن الأقليات العرقية الواضحة ( المسيحيون والوثنيون في جنوب السودان، والأكراد في سوريا والعراق، والبربر في شمال إفريقيا وقلة أخرى)، ما تبقى من السكان هم عرب ثقافياً. الثقافة هي اللغة التي يتحدثون بها والشعر الذي يلقونه والأغاني التي ينشدونها والطعام الذي يأكلونه، والموسيقى التي يرقصون على أنغامها والتاريخ الذي يتشاركونه.
تعتبر محاولة إيجاد قوائم عرقية تصنف فيها الناس ضرباً من العبث والعنصرية. لكن الثقافات موجودة، وسواء أعجبنا ذلك أم لا، سواء أعجب ذلك بعض المفكرين داخل العالم العربي وخارجه أم لا، وسواء أعجب ذلك بعض العرب من كارهي أنفسهم أم لا، إننا جزء من الثقافة العربية، سواء كان ذلك جيداً أم سيئاً. لقد ساهم المسيحيون العرب كثيراً في هذه الثقافة، ويجب أن يكونوا فخورين بمساهماتهم تلك. من ينكر هذا الإرث يتنكر لأصوله الثقافية ويحاول تعريف نفسه ببعض الثقافات البائدة. يديرون ظهورهم للعمالقة المسيحيين للثقافة العربية، جبران ونعيمي والبستاني واليازجي وزيدان والخوري والمعالفة والأخطل (قدماء وجدد)، ونعم، فيروز والرحابنة والرومي، ويحاولون إيجاد أبطالهم في مقابر جبيل وتوابيت مصر.
لا حاجة إلى القول إن العديد من العرب غير راضين عن الوضع الحالي للشؤون العربية. تبدو الأمور محبطة وباعثة على اليأس ولا أمل فيها. خلال مراحل كهذه من التوعك الوطني، هناك نزعة بين بعض المثقفين للتنكر لثقافتهم ويجدون منفذاً في أفكار سرية وإيديولوجيات متعصبة. هذا أحد الأسباب التي جعلت الشيوعية تسيطر في روسيا والنازية في ألمانيا، والإسلام الراديكالي يحضر نفسه ليكون البديل عن العروبة العلمانية. لكن السبات الحالي في الميدان السياسي ليس سبباً لخلق هوية متخيلة لأنفسنا من أنقاض حضارات ميتة. ولا تشكل تبريراً كافياً لإبعاد أنفسنا عن الثقافة العربية والتعلق بغرب متفوق تكنولوجياً وعسكرياً، أخلاقياته الماضية والحاضرة ليست مدعاة فخر، من مجازر وحروب ومذابح دينية واستعمار وتطهير عرقي، بينها ابو غريب وغوانتنامو وباغرام والدعم غير المشروط لسياسات الإبادة التي تطبقها إسرائيل.
هناك العديد من المهيجين من الذين يمتلكون جدول أعمال سياسياً وهم عازمون على تحريف التاريخ والإحصاءات من أجل أن تتناسب مع جدول أعمال كهذا، وعلى تخيل اختلافات عرقية حيث لا يوجد أي منها. إنهم إما أغراب عن هذه الثقافة، أو غربوا أنفسهم عنها، ويحاولون فبركة كذبات وتمريرها كتاريخ على مستمعين وقراء غير عليمين. يحاولون أن يخترعوا للمسيحيين العرب هوية اصطناعية معادية للمحيط الذي لطالما كانوا جزءاً منه، من دون أن يدركوا (ولعلهم يفعلون) أنهم قد يكونون يخلقون بين المسيحيين العرب، عبر تغذية صدع كهذا، <<طابوراً خامساً>> معادياً للمسلمين وغير وفيّ لثقافته الأصلية وربما يعرضون للخطر جميع الطوائف المسيحية في الشرق الأوسط. ومن أجل ماذا؟ التزلف لإسرائيل وأسيادها الأميركيين؟
يشكل ملايين المسيحيين جزءاً نشطاً من المشهد العربي ويجب أن يبقوا كذلك. عليهم أن يتعاونوا مع المسلمين لتطوير مجتمع علماني يكون فيه جميع المواطنين متساوين بغض النظر عن انتمائهم الديني وخلفيتهم العرقية (الحقيقية أو المتخيلة). يجب ألا يتم تشجيعهم على اعتماد سلوك مواجهة تجاه مواطنيهم، وعليهم أن يرفضوا أن يكونوا بيادق لقوى خارجية تحاول أن تسيطر على الشرق الأوسط وتقضي على الاستقرار فيه وتعيد استعماره، كما يشهد الدعم المالي والعسكري الضخم الذي أغدق على إسرائيل على مدى الأعوام الماضية والاعتداء العسكري الأخير على العراق. ربما تنطبق حاجة التناغم المسيحي الإسلامي في هذه الأيام على لبنان أكثر من أي وقت مضى.
علينا، نحن المسيحيين العرب، أن نتجنب، بأي ثمن كان، إقامة تحالفات مع أي غازٍ جديد ضد العرب أو المسلمين. علينا أن ندعم الصراع العربي اليوم ضد هؤلاء الصليبيين الجدد الذين يتنكرون بزي محررين وناشري ديموقراطية، والذين يحاولون تشويه تاريخ العرب وإعادة تشكيل الثقافة العربية وقيمها. إن مساهمتنا في الثقافة العربية ضخمة. لا نحتاج حقاً إلى بعض المنشقين الثقافيين ليغرسوا في أذهاننا عقدة اضطهاد أو نزعة عداء حيال مواطنينا عندما يكون علينا أن نؤدي، كما فعلنا دائماً، دور الجسر بين العالم العربي وبين الغرب.
عندما دخل الصليبيون القدس في العام 1099، تعرضنا، نحن المسيحيين العرب، لمذابح مع المسلمين. تبرهن الوحشية في فلسطين والعراق وأفغانستان بوضوح أن أخلاقيات الصليبيين الجدد ليست أفضل من أخلاقيات هؤلاء الذين جاؤوا إلى هنا قبل قرون.
ترجمة إيلي شلهوب
() كاتب فلسطيني مقيم في الولايات المتحدة