المقال القصير التالي كتبه هذا اليوم إسكندر حبش، وهو عن أزمة شعر الحداثة (الذي يسمى عند القوم مصادرةً "الشعر"!) وهو مأخوذ من جريدة السفير.


دفاعاً عن الشعر
إسكندر حبش




ألم يحن الوقت فعلا، لكي نعيد تساؤلاتنا حول ما يكتب اليوم من شعر جديد، أم على الأمور أن تمر سريعا مثلما مرّت الكثير من الأمور الأخرى، ما أوجد بلبلة لم نعرف كيفية الخروج منها لتبقى معلقة في اشكالياتها المتعددة؟
فكرة تعود لتخطر في بالي، بعد <<الإيميل>> الذي قرأته صباح اليوم، عند عودتي من السفر، وهو من الصديق الشاعر شوقي مسلماني، المقيم في استراليا منذ فترة طويلة. رسالة فيها بعض العتب، على <<إشكالي>> الذي كتبته الأسبوع الماضي بعنوان <<ديوان الأقلية>> وتحدثت فيه عبر انطباع سريع عن الأمسيات الشعرية التي شهدها مهرجان جرش في الأردن، إذ تساءلت فيه عن هذه العلاقة الملتبسة اليوم بين الشعر وجمهوره الذي يبدو أنه من <<أكثر المخلوقات احتفاء به>>.
يقول الشاعر شوقي مسلماني في رسالته: <<إن الشعر المعاصر قد خرج من قمقم ما يطلبه المستمعون إلى الأبد... الشعر اليوم يقرأ لا يتلى... ولا أجد جدوى من هذا الندب... وممن؟ من شعراء القصيدة الجديدة أنفسهم!>>.
أولا، لا أعرف إن كانت كلمتي قد فُهمت بهذا القدر من <<الندب>> وأرجو أن لا تفهم كلمتي هذه بأنها هجوم ما على الصديق الشاعر، بل هي مجرد خاطرة أوحتها لي رسالته إذ لم أرغب إلا في الإشارة إلى هذه المشكلة الفعلية التي تعترض كل من يقرأ اليوم شعره أمام جمهور، لأن ثمة اغترابا حقيقيا، واقعيا، علينا أن لا نخفيه بشتى الحجج، وبخاصة من الشعراء الجدد. لماذا إذا أردنا أن نتساءل عن المتلقي سندخل دوما في مقولة ما يطلبه المستمعون؟ لا أحد يقول إن علينا أن نكتب قصائد وفق ذائقة الذي أمامنا، بالتأكيد القضية ليست هنا، ولا أحد يقصد ذلك. لكن هل تساءلنا حقا عمّا نكتبه؟
علينا الاعتراف، وبدون خوف، أن جزءا لا بأس به، مما يكتب اليوم يتخفى باسم الشعر ولا يزيد عن كونه هذرا مجانيا. بالطبع هناك أعمال جميلة، وقد تكون <<صعبة>> على هذا المتلقي، ولا أقصدها بطبيعة الحال. بمعنى آخر، لا أخفي أيضا، أن هناك مشكلة في الجمهور الذي لم يواكب تطور القصيدة الحديثة، وبقي بعيدا عنها، غارقا في ما تعلمه في المدرسة من كلاسيكيات تداعب أذنه. كل هذا مفهوم، ولا أعترض عليه، بل أعيه بشكل كبير.
ولكن...؟ لماذا نحيل أخطاءنا على الغير ولا نريد أن نعترف بأننا قمنا بها؟ ولماذا أيضا على القصيدة الجديدة أن لا تتلى؟ لماذا هذا الانسحاب المسبق؟ لماذا عدم الرغبة في الدفاع عما نكتبه؟ إذا كان الشاعر نفسه لا يرغب في الدفاع عن قصيدته فمن غير المجدي إذاً أن يكتب في الأساس.
لا أعتقد أنه من المجدي أن نستمر اليوم في بعض هذه الادعاءات، والتفكير بالمشكلة جديا، لا يعني بتاتا أن لا نكتب ما نريد كتابته، لكن وقبل أي شيء، علينا أن نكتب وبالطريقة التي نريد لكن أن نكتب حقا، إذ هنا تبدو المشكلة برمتها.