الفهم النسبي
من صفحة الأستاذة تغريد بو مرعي

الموضوع

https://m.facebook.com/story.php?sto...00000518093019
إن النسبية في القرآن الكريم تجعل منه كتابا عالميا بامتياز يسهل حفظه وتلاوته باللغة العربية التي نزل بها من أي إنسان في العالم مهما كانت لغته وثقافته : ( إنْ هُـوَ إلاَّ ذِكْـرٌ لِلـعَـالَـمـِينَ ) فكل إنسان يرتاح لسماع القرآن لأن القرآن على فطرة كل الناس بكل لغاتهم وأعمارهم وأجناسهم وأزمانهم وهذه إحدى مظاهر الربوبية أي : ( فِطْـرَةَ اللّـهِ الـتي فَطَـرَ الـنَاسَ عَـلَـيْهَـا )
إن نظرتنا الى الحياة بشكل عام هي نظرة ناقصة ما دمنا ننظر الى الحياة من زاويتنا كبشر فقط دون أن نأخذ بعين الإعتبار ،ماذا تعني الحياة بالنسبة للمخلوقات الإخرى التي تشاركنا العيش على هذه الأرض ،فالمخلوقات الأخرى لا تقل شأنا وفكرا عن البشر : ( وَ مَـا مِـنْ دابَّـةٍ فـي الأرْضِ وَ لاَ طَـائِـرٍ يَطـيرُ بِجَــنَـاحَـيْـهِ إلاّ أُمَـمٌ أَمْـثَـالُـكُـمْ ) .
وهذه المخلوقات تقوم بدراسات دقيقة عن الإنسان وما يعمل ،فهدهد سليمان قام بدراسة مفصلة عما يفعل أهل مدينة سبأ وأتى سليمان بمعلومات تو حي لمن يسمعها أنها من باحث وليس حيواناً : ( وَ جِـئْـتُكَ مِـنْ سَـبَـإٍ بِنَبَإٍ يَقِيْنٍ ، إنِّي وَجَـدْتُ اِمْـرأةً تَمْـلِـكُـهُـمْ وَ أُوتِيَـتْ مِـنْ كُـلِّ شَـيْءٍ وَ لـَهَـا عَـرْشٌ عـظـيمٌ ، وَجَـدْتُهَـا وَ قَوْمَـهَـا يَسْـجُـدُونَ لِلـشَـمْـسِ مِـنْ دُونِ اللّـهِ ، وَ زَيَّنَ لَـهُـمُ الـشَـيْطَـانُ أعْـمَـالـَهُـمْ ) وكذلك قامت النملة بدراسة مماثلة إذ عرفت اسم سليمان عليه السلام كما عرفت أن من معه هو جيش وجنود وليس قافلة : ( حـتَّى إذا أتَـوْا عَـلـى وَادِ الـنَـمـْلِ قَـالَـتْ نَمـْلَـةٌ يَا أيُّـهَـا الـنَمْـلُ ادْخُـلوا مَـسَـاكِـنَكُـمْ لاَ يَحْـطِـمَـنَّكُـمْ سُـلَـيْمَـانُ وَ جُـنُودُهُ وَ هُـمْ لاَ يَشْـعُـرونَ ) .
والعلاقات الإجتماعية هي أيضا علاقات نسبية فقد يكون فلان من الناس صديقا بالنسبة لفلان وعدوا لشخص آخر في الوقت ذاته ، وكذلك الكلام ،فالكلمات الطيبة يقولها الأناس الطيبون أما الخبيثون فلا يقولون إلا الكلمات الخبيثة : ( الـخَـبِيثَاتُ لِلـخَـبِيثيِـنَ وَ الـخَـبِيثُونَ لِلـخـَبِيثَاتِ وَ الـطـيِّـبَاتُ لِلـطَـيِّـبِيـنَ وَ الـطَـيِّبونَ لِلـطَـيِّـبَاتِ ، أُولَـئِـكَ مُـبَرَّؤونَ مِـمَّـا يَقُولُـونَ )، ( وَ هُـدوا إلـى الـطـيّبِ مـنَ الـقَـوْلِ ) ، فالطيّب يكونُ منَ [ القوْل ] .
وقد لا تكون العلاقة الزوجية متناسبة بين الزوجين فامرأة نوح عليه السلام لم تكن الزوجة المناسبة له وكذلك امرأة لوط عليه السلام : ( ضَـرَبَ اللَّـهُ مَـثَلاً لِلَّـذينَ كَـفَروا اِمْـرَأتَ نوحٍ وَ اِمْـرَأتَ لُـوطٍ كَـانَتَـا تَحْــتَ عَـبْدَيْنِ مِـنْ عـِبَادِنَا صَـالِـحَـيْنِ فَخَـانَتَـاهُـما )
وقد كان الأمر معكوسا بالنسبة لامرأة فرعون آسيا فلم يكن فرعون زوجا مناسبا لها : ( وَ ضَـرَبَ اللَّـهُ مَـثَلاً لِلَّـذينَ آمَـنُوا اِمْـرَأَتَ فِرْعَـوْنَ إذْ قَـالَـتْ رَبِّ اِبْنِ لـي عِـنْدَكَ بَيْتَـاً في الـجَـنَّةِ وَ نَجِّـني مِـنْ فِـرْعَـوْنَ وَ عَـمَـلـِهِ ) في حال التوافق تسمى زوجة وفي حال الخلاف تسمى امرأة وإذا انقطعت كل الصلات تسمى صاحبة : ( يومَ يفرّ المرْءُ منْ أخيه و أمّه و أبيه و - صاحبته - و بنيه ) .
وتقييم الأعمال من حيث صحتها أو خطئها ، قبولها أم رفضها هو أيضا أمر نسبي ،فالعمل الذي من وجهة نظر إنسان ما أنه عمل صواب وصحيح ،يكون بذات الوقت بالنسبة لإنسان آخر عمل خاطئ ومرفوض : ( قُلْ يَا أيُّـهَـا الـكَـافِرونَ لاَ أَعْـبُدُ مَـا تَعْـبُدونَ وَلاَ أنْتُمْ عَـابِدونَ مَـا أَعْـبُـدُ ... لَـكُـمْ دِيْنِكُـمْ وَ لِـيَ دِيْنِ ).
كما أن تقييم الأعمال بالنسبة لله عنه بالنسبة للناس : ( تَحْـسَـبُونَهُ هَـيِّنَاً وَ هُـوَ عِـنْدَ اللَّـهِ عَـظِـيمٌ ) ( الـذينَ ضَـلَّ سَـعْـيُهُـمْ فـي الـحَـيَاةِ الـدُنْيَا وَهُـمْ يَحْـسَـبُونَ أنَّهُـمْ يُحْـسِـنونَ صُـنْعَـاً ).
ويعتبر موضوع موسى عليه السلام مع العبد الصالح من أوضح المواضيع عن الفهم النسبي ، لِما حصل معهما من أحداث ،فما كان بالنسبة لموسى أخطاء بل وجرائم يقوم بها الخضر ،كانت بالنسبة الى الخضر أمورا وأحجاثا عادية ينفذها بناء على أوامر عليا : ( حَـتّى إذا رَكِـبَا فِي الـسَـفـِينَةِ خَـرَقَها قَالَ أّخَـرَقْتَـهـَا لـِتُغْـرِقَ أهْـلـَهَـا لَـقَدْ جِـئـْتَ شَـيْئَـاً إمْـراً 000 حـَتّى إذا لـَقِيَـا غُـلامَـاً فَـقَـتَـلـَهُ قالَ أَ قَتَلـْتَ نَفْـسَـاً زَكِـيّـةً بِغَـيْرِ نَفْـسٍ لَـقَـدْ جِـئْـتَ شَيْـئـاً نُكْـراً ) ، فأوضح له الخضر الغاية التي وراء الحدث : ( أمَّـا الـسَـفينَـةُ فَكَـانَتْ لِـمَـسَـاكِـيـنَ يَعْـمَـلـونَ فـي الـبَحـْرِ ، فَأرَدْتُ أنْ أعِـيْـبَـهَـا وَ كَـانَ وَراءَهـمْ مَـلِـكٌ يَأْخُـذُ كُـلَّ سَـفيْنَةٍ غـَصْـباً ، وَ أمَّـا الـغُـلامُ فَكَـانَ أبَواهُ مُـؤْمِـنَـيْنِ فَخَـشـينَا أنْ يُـرْهِـقَهُـمَـا طُـغْـيَاناً وَ كُـفْراً 000 وَ مَـا فَعَـلْـتُهُ عَـنْ أمْـري ، ذَلِـكَ تَأْويْلُ مَـا لـَمْ تَسْـطِـعْ عَـلـَيْهِ صَـبْراً ) .