http://arood.com/vb/showpost.php?p=44549&postcount=6





كما أن النحو في جوهره - كما ذكر أستاذنا - هو إدراك ترابط الكلام ، وأن "علم النحو هو منهج البحث عن ذلك المفضي إلى نظريات وقواعد ضابطة رغبة في سبر أغوار نظام الكلام والتفكير " . والذي " ينبغي أن تتمسكوا بما يؤدي إلى هذه الغاية من الوسائل ، والا تعبؤوا بما يضللكم عنها ، أو يكرهها إليكم !"

يمكننا القول :

كذلك فإن العروض في جوهره هو إدراك موسيقى الكلام وهذا الأصل فيه سلامة الفطرة، ومثاله نتاج الشاعر العربي في الجاهلية وكثير من شعراء النبطي وإحساس الطفل بهدهدة أمة ، والذائقة الجمعية للأمة متمثلة في سلامة الأنغام الشعبية من الكسور ، وأن "علم العروض هو منهج البحث عن ذلك المفضي إلى نظريات وقواعد ضابطة رغبة في سبر أغوار نظام الكلام والتفكير " . والذي " ينبغي أن تتمسكوا بما يؤدي إلى هذه الغاية من الوسائل ، والا تعبؤوا بما يضللكم عنها ، أو يكرهها إليكم !"

وما يتداوله الناس حول العروض هو إنتاج الخليل في "العروض" الذي هو بدوره مجرد وصف تجزيئي تفصيلي لتألق الخليل في " علم العروض" . فالتفاعيل وأوزان البحور توصيف جزئي للأوزان بقصد شرحها للجمهور أما العملية الفكرية عند الخليل في شمولها وتفاعلها مع ذاته ومع الواقع فلم يهتم بها أحد، والناس معذورون في ذلك لعدة عوامل منها :

1 - بعد الشقة بين المستوى الفكري للخليل وسائر الناس في زمنه وبعد زمنه

2- الناس غالبا تهتم بالنتيجة كاهتمام المريض بالدواء دون معرفة علمية بتركيبه وطريقة عمله وطريقة إنتاجه. وهذا في العروض كالتفاعيل والبحور مقرونة بتفكير الخليل ومنهجه.

3- كان العروضيون هم المؤهلين للربط بين العملية الفكرية ونتاجها لدى الخليل. ولكنهم للأسف لم يهتموا بالعملية الفكرية، ذلك أن عدم وعيهم على حقيقة وجودها جعل تفكيرهم خاضعا لبرمجة تجزيئية التفاعيل في الأعم الأشمل الأغلب . يصدق هذا على من وافق الخليل ومن عارضه. ماضيا وحاضرا.

وليس ما يلقاه الرقمي من العروضيين إلا في نادر النادر من رفض أو سخرية أو استخفاف أو إعراض أو فتور إلا لأنه يقدم العروض بالتواصل مع فكر الخليل ومنهجه القائم على شمولية فكره، ليضع التفاعيل في مقامها كأدوات خاضعة لذلك المنهج، وهذا يعني نسف فلسفة الأساس التي قام عليها منهج العروض العربي لغاية الآن . وبدوره فإن هذا يستجيش في نفوس العروضيين بوعي أو دون وعي شدة في الدفاع عن أساس من الصعب عليهم العدول عنه بطبيعة إلفة النفوس لما استقرت عليه وركونها إليه وخشيتها من الإقرار بما يخالفه وما ينتج عن الإقرار من إعلان وجود ما هو أفضل ، وهذه عقبات لا يستطيع التغلب عليها إلا ذو بصيرة وشجاعة.

لا أمل من تكرار قول الأستاذ ميشيل أديب في مجلة الموقف الادبي العدد 373 أيار 2002:" وأكثر ما يعيب كتب العروض القديمة والحديثة، أنها، على الرغم من مظاهر العبقرية، التي لم يكشف الخليل عن أسرارها، لم تحاول تحليل العملية الذهنية التي مكَّنت الخليل من بلوغ هذه القمَّة للرياضية التي لا تتأتَّى إلاَّ للأفذاذ. "


يرعاك الله.