تنويعات على شعر التفعيلة بعد نازك الملائكة
تقول عرابة شعر التفعيلة الحديث في كتابها قضايا الشعر المعاصر:
"إن القصيدة الحرة من البحر الوافر ينبغي أن تجري على هذا النسق مثلا:
مفاعلتن فعولن
مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن فعولن
مفاعلتن مفاعلتن فعولن
مفاعلتن فعولن
فيكون التنويع في عدد التفعيلة المكررة وحسب، أي في (مفاعلتن). ويشترط أن ينتهي كل شطر في القصيدة بالتفعيلة (فعولن) لأنها كانت منفردة في شطر الوافر الأصلي فلا يصح أن يقول الشاعر مثلا:
مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن
والواقع أن أكثر أخطاء الناشئين ترد في قصائدهم التي تنتهي بتفعيلة منفردة، فهم يزلقون إذ ذاك فيخرجون عنها.
وهذا النوع من الغلط شائع في الشعر الحر شيوعا ملحوظا."
كان ذلك في أول منافست تعلنه نازك لإطلاق ثورة الشعر الجديد قبل عام من النكبة، وتضيء الطريق لرواده بأحكامها التي ربما سمعنا أنها تخلت عن الكثير منها.
فلم تكن فدوى طوقان، حين وضعت قصيدتها "لن أبكي" بعد عام من النكسة، ناشئة .. ومع ذلك فلم ترد في قصيدتها تلك التفعيلة (فعولن)، لا بل وجاءت على الوزن الذي حذرت منه نازك ونبهت إلى أنه (لا يصح). وليس هذا فحسب، بل إننا وجدنا بعض ضروب قصيدتها على غير ما ذكر الخليل وهو (مفاعلتانْ). http://www.adab.com/modules.php?name...hqas&qid=68392
ربما التمسنا العذر لنازك في رأيها الذي يتعلق بأهداب الخليل وحده بما لا يجعلها تلتفت إلى غيره من العروضيين. فهي لم تعتبر الوافر من البحور الصافية كالهزج مثلا، ولكنها عدته من البحور الممزوجة كالسريع، وبالتالي فهي لم تدرك أن بعض العروضيين القدامى، كالجوهري، قد ذكروا هذا الوافر التام حين قال في كتابه "عروض الورقة": "وهذا محدث، ولم يجئ عن العرب في مسدسه بيت صحيح". كما استشهد ابن القطاع، فيما شذ من تامه، ببيت لا نعلم قائله، وهو:
مضى زمن صحبت به أبا كربٍ * ففارقني أبو كربٍ على كربِ
والآن، لنقف على قصيدة الشاعر كامل ياسين الذي يأتي بعد ثلاثة أجيال من انطلاقة الشعر الجديد، ليجمع في رائعته "فتاتي تبحث عن أمها" بين عروضي الخليل ونازك (بل وتجاوزهما) في قصيدة تفعيلية واحدة، فيقول:
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=76425
جميل الحب يكسره انتظاري ** وشكلي الأن تكسره المرايا
وحيدا في الشوارع صرت أمشي ** تلملمني وتجمعني البقايا
إلى من أغفر الهجران يوما ** وهذي الروح تسكنها الخطايا
إلى من أجعل الأحلام صحوا ** وفي نومي تحاصرني الضحايا
إلى من سوف أفرح بعد حزن ** وكعك العيد تصنعه يدايا
ويقول في مقطع آخر:
نعم تدري بأن الدمع حق ** وهذا الحب يزداد اتساعا
وهذا البحر يغرق ما تبقى ** من الدنيا فمديني شراعا
فتاتي تذكر التذكار عمرا ** وتدخل عنوة قلبي المشاعا
أعيدي ما تبقى من زماني ** فهذا الوقت يقتلني ضياعا
سراب كل ما حولي وجسمي ** يرى الشهوات زيفا أو خداعا
فلا قلب يبادلني التمني ** ولا جسم يبادلني الوداعا
فهو هنا خليلي (لا قام ولا قعد)، ولكنه فيما تبقى من القصيدة ليس (ملائكيا) تماما ولا حتى (طوقانيا) كذلك، بل تجاوز الاثنتين معا حين جاء لنا بضرب لم يعرفه الخليل ولا العروضيون بعده ، واكتشفه د. عمر خلوف في ضروب قصائد بعض المحدثين ومنهم د. مريم البغدادي في قولها:
لقد نامت وأهدت لي الأرقْ ** وأصلت لي فؤادي فاحترقْ
بليت بها فساءت حالتي ** وسدت منذ جاءتني الطرقْ
http://www.alfaseeh.net/vb/showthread.php?t=51319
يقول شاعرنا كامل ياسين:
مدينتنا وجوم قاتلٌ
طرقاتها سوداءُ سوداءٌ
حدائقها مللْ
مفاعلتن فعو
........
....
جلست وحيد أيامي وأحلامي
بمقهى الحي أرثي ما يسببه الأملْ
مفاعيلن مفاعيلن مفاعلتن فعو
............
.....
ضباب عالم الأنماط والدنيا مطرْ
مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن فعو
غيوم تشبه الذكرى
وأصوات على الشباك ترعبني
ويخنقني الخطرْ
مفاعلتن فعو
فتاتي طفلة الأرواح نائمةٌ
تحاصرها الصورْ
مفاعلتن فعو
فأينك يا حبيبتها؟
تحبك مثل والدها
وتسأل عنكِ
- هل طال السفر؟
مفاعلتن مفاعيلن فعو
